تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الحُنَفَاء، والمُلُوكِ العُظَماء، الذينَ تَقَلَّبُوا في أعْطَافِ الفَضْل، وأعْجَبَوا بالمَنْطِقِ الفَصْل، وتَفَكَّهُوا بِثِمار الأدَبِ الغَضّ، وأُولعُوا بأَبْكارِ المَعانِي وَلَعَ المُفْتَرِعِ المُفْتَضّ. شَمِلَ القَوْمَ اصْطِناعُهُمْ، وطَرِبَت لِكَلِمِهِمِ الغُرِّ أسْمَاعُهُمْ، بل أنْعَشَ الجُدُودَ العَواثِرَ [الحظوظ السيِّئة] ألْطافُهُمْ، واهْتَزَّتْ لاكْتِساءِ حُلَلِ [أثواب] الحَمْدِ أعْطَافُهُمْ، رَامُوا تَخْلِيدَ الذِّكْرِ بالإِنعامِ على الأعْلام، وأرادُوا أن يَعِيشُوا بعُمْرٍ ثانٍ بَعْدَ مُشَارَفَةِ الحِمَام [الموت]. طَوَاهُمُ الدَّهْرُ فلَم يَبْقَ لأعْلامِ العُلُومِ رافِع، ولا عَنْ حَرِيمها الذي هَتَكَتْهُ اللَّيَالِي مُدافِع، بل زَعَمَ الشَّامِتُونَ بالعِلْمِ وطُلاَّبِه، والقائِلُونَ بدَوْلةِ الجَهْلِ وأحْزابِه، أنَّ الزَّمانَ بِمِثْلِهِم لا يَجُود، وأنَّ وقتًا قد مَضَى بِهِم لا يَعُود. فَرَدَّ عليهم الدَّهْرُ مُراغِمًا أُنُوفَهُمْ، وتَبَيَّنَ الأمْرُ بالضِّدِّ جالِبًا حُتُوفَهُمْ [هلاكهم]، فَطَلَعَ صُبْحُ النُّجْحِ من آفاقِ حُسْنِ الاتِّفَاق، وتَباشَرتْ أرْبابُ تلك السِّلَعِ بِنَفاقِ الأسْواق، وناهَضَ مُلُوكَ العَهْدِ لِتَنْفيذِ الأحكام، مالِكُ رِقِّ العُلُوم ورِبْقة الكلام، بُرْهانُ الأسَاطِين الأعْلام، سُلْطانُ سَلاطينِ الإِسْلام، غُرَّةُ وَجْهِ اللَّيالِي، قَمَرُ بَراقِعِ التَّرَافُعِ والتَّعالي، عاقِدُ ألْوِية فُنُونِ العُلُومِ كُلِّها، شاهِرُ سُيُوف العَدْلِ رَدَّ الغِرَارَ [النوم] إلى الأجْفانِ بسَلِّها، مُقَلِّدُ أعْناقِ البَرايا بالتَّحْقيقِ طوْقَ امْتِنانِه، مُقَرِّطُ آذانِ اللَّيالِي على ما بَلَغَ المَسَامِعَ شُنُوفَ بيانِه، مُمَهِّدُ الدِّينِ ومُؤيِّدُه، مُسَدِّدُ المُلكِ ومُشيِّدُه:

مَوْلَى مُلُوكِ الأرْضِ مَنْ في وَجْههِمِقْباسُ نُورٍ أيُّمَا مقْبَاسِبدْرٌ مُحَيَّا وجْهِهِ الأسْنَى لَنَا مُغْنٍ عن القَمَرَيْنِ والنِّبْراسِمِنْ أُسْرةٍ شَرُفَتْ وجَلَّتْ فاعْتَلَتْ عنْ أنْ يُقَاسَ عَلاؤُها بِقِياسِرَوَوُا الخلافَةَ كابِرًا عن كابِرٍبِصَحِيحِ إسْنادٍ بلا إلْباسِ فَرَوَى عليٌّ عن رَسُولٍ مِثْلَ مَا يَرْويِه يُوسُفُ عن عُمَرْ ذِي الْباسِ ورَواهُ داوُدٌ صَحِيحًا عن عُمَرْ وَرَوَى عَليٌّ عنه لِلجُلاَّسِ وَرَوَاهُ عَبَّاسٌ كذلك عن عَلِي وَرَوَاهُ إسْماعِيلُ عن عَبَّاسِ

تَهُبُّ به على رياضِ المُنَى ريحَا جَنُوبٍ وشَمَال، وتَقِيلُ بمَكَانِه جَنَّتَانِ عن يَمِينٍ وشِمَال، وتَشْتملُ على مَنَاكِبِ الآفاقِ أرْدِيَةُ عَواطِفِه، وتَسِيلُ طِلاَعَ الأرْضِ للأرفاقِ أوديَةُ عَوَارِفِه، وتَشْمَلُ رَأُفتُه البِلادَ والعِبَادَ، وتَضْرِبُ دُونَ المِحَنِ والأضْدَادِ الجُننَ والأسْدَاد. ولم يَسَعِ البَليغَ سوى سُكوتِ الحُوتِ بِمُلْتَطِم تيَّارِ بحارِ فَوَائِدِه، ولم تَرْتَمِ جَوارِي الزُّهْرِ في البَحرِ الأخْضَرِ إلاَّ لتُضَاهِيَ فَرَائِدَ قَلائِدِه. بَحْرٌ على عُذُوبة مائه تَمْلأُ السَّفَائِنَ جَوَاهِرُه، وتُزْهى بالجَوارِي المُنْشَآتِ من بَناتِ الخَاطِرِ زَوَاخِرُه. بَرٌّ سَالَ طِلاعَ الأرْضِ أوْديَةُ جُودِه، ولم يَرْضَ لِلْمُجْتَدي نَهْرًا، وطَامي عُبَابِ الكَرَمِ يُجارِي نَدَاهُ الرَّافدَيْنِ وبَهْرًا. خِضَمٌّ لا يَبْلُغُ كُنْهَهُ المُتَعَمِّقُ عَوْض، ولا يُعطَى الماهِرُ أمانَهُ من الغَرَقِ إن اتَّفَقَ لَه في لُجَّتِهِ خَوْض. مُحيطٌ تنْصَبُّ إليه الجَداوِلُ فلا يَرُدُّ ثِمادها [قليلها]، وتَغْتَرِفُ من جُمَّتِهِ [معظمه] السُّحْبُ فَتَمْلأُ مَزَادَها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير