تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فقال النابغة للخنساء: لولا أن أبا بصير (يعني الأعشى) وحسان بن ثابت أنشداني آنفاً لفضَّلتك على شعراء هذا الموسم كلّهم، ولَقُلْتُ: إني لم أسمع مثل شِعرك. وقال النابغة الذبياني: "الخنساء أشعر الجن والإنس".

وقد قيل لشاعر الخلافة الأموية جرير التميميّ: مَن أشعر الناس؟

فأجاب جرير: أنا لولا هذه الشاعرة، يعني الخنساء.

فقيل لهُ: بماذا فَضَلَتْكَ؟

فقال جرير: بقولها:

إنَّ الزمان وما يَفْنَى لهُ عجبٌ

أبقى لنا ذَنَبًا، واستُؤصِل الرَّاسُ

أبقى لنا كلَّ مجهولٍ؛ وفجَّعَنَا

بالأكرمينَ، فَهُمْ هامٌ؛ وإرْمَاسُ

إنَّ الْجَدِيْدَيْنِ في طُولِ اختلافِهِمَا

لا يفسدان، ولكنْ يفسدُ الناسُ

ومن بُكائيات الخنساء في رثاء أخويها صخر ومعاوية قولها:

مَنْ حَسَّ لِي الأَخوينِ كَالْغُصْنَيْنِ أوْ مَنْ رَاْهُمَا

أخوينِ كَالصَّقرينِ لَمْ يَرَ ناظرٌ شَرْوَاهُمَا

قرمَيْنِ لا يتظالَمانِ ولا يُرامُ حِمَاهُمَا

أبكي على أخَوَيّ والقبِر الذي وَارَاهُمَا

لا مثل كهلي في الكهول، ولا فتىً كَفتاهُمَا

6

دريد بن الصمة والخنساء

يروي المؤرخون أن دريد بن الصمة، أتى الخنساء خاطباً، وقد تقدَّمت به السنُّ، فردَّته وقالت لأبيها: يا أبتِ أتراني تاركة بني عمِّي مثل عوالي الرماح، وناكحة شيخ بني جشم، هامة اليوم أو غد، وجرَّاء ذلك هجاها الشاعر دريد بن الصمة، فقيل لها: ألا تجيبينه؟ فقالت: لا أجمع عليه أن أرُدَّهُ وأن أهجوَه.

ولكن خليل بن أيبك الصفدي قال في كتاب الوافي بالوفيات: خطب دريد بن الصمة الخنساء فردَّته، وكان قد رآها تهنأ بعيراً لها، فقال:

حَيُّوا تُماضرَ واربعوا صَحْبِيْ

وقِفوا فإنَّ وقوفَكم حَسبيْ

أَ خُناسُ قد هام الفؤاد بكم

وأصابه تبلٌ مِنَ الْحُبِّ

ولما رفضت الزواج من دريد لكبر سنه قال:

وقالتْ إنني شيخٌ كبيرٌ

وما أنبأتُها أنِّي ابنُ أمسِ

تريدُ شرنبثَ الكفين شثناً

يباشرُ بالعشية كلَّ كُرْسِ

فقالت الخنساء:

معاذ الله ينكحني حبركى

يقال أبوه من جشم بن بكرٍ

ولو أصبحتُ في جشم هدياًّ

إذاً أصبحتُ في دنسٍ وفقرِ

قال ابن منظور في لسان العرب: الحَبَرْكَى: القوم الهَلْكَى، والقراد، والسحاب المتكاثف، والرمل المتراكم، والغليظ الرقبة، والضعيف الرجلين، كأنهُ مقعدٌ لضعفهما، والطويل الظهر القصير الرجلين، وأَلِفهُ للتأْنيث فلا ينصرف. وربما قيل حَبَرْكَى منوَّنًا على أنها للإلحاق، فلا يمتنع من الصرف إلا إذا سُميّ بهِ،

والحَبَرْكاة واحدة الحَبَرْكَى.

وقد عارضت سينية دريد بسينية رثت بها أخاها صخراً حسبما رواه أبو علي القالي في كتاب الأمالي، وقد جاء في معارضتها:

يؤرقني التّذكرُ حين أمسي

ويردعُني مع الأحزان نكسي

على صخرٍ وأيُ فتىً كصخرٍ

ليومِ كريهةٍ وطعان خِلْسِ

وعانٍ طارقٍ أو مُستضيفٍ

يُروَّعُ قلبُهُ من كلِّ جِرْسِ

ولَمْ أرَ مثلَه رُزءاً لجنٍّ

ولم أَرَ مثلَه رُزءاً لإنسِ

ألا يا صخرُ لا أنساكَ حتى

أفارقَ مُهجتي ويُشقَّ رَمْسِي

ولولا كثرة الباكين حولي

على إخوانهم لقتلْتُ نَفْسِي

يُذكِّرُنِيْ طلوعُ الشمس صَخْراً

وأذكرهُ لِكُلِّ غروبِ شَمْسِ

وما يبكون مثلَ أخي ولكنْ

أُعَزِّي النفسَ عنه بالتأسِّيْ

7

زواج الخنساء وأولادها

تزوجت الخنساءُ ابن عمها رُواحة بن عبد العزيز السُّلمي، ولكنه مات عنها ولم تَلِدْ منه، وبعد ذلك تزوجها بعده عبد الله بن عبد العُزى، فولدت له ولدها البِكْرَ عَمْراً، وكُنيته أبو شجرة، وهو وحيد زوجِها الأول، ثم تزوجت ابن عمها مرداس بن أبي عامر السُّلمي، فولدت منه أربعة أولاد هم: يزيد ومعاوية وعمرو وعمرة، ويقال: أن الشاعر العباس بن مرداس، هو أحد أبناء الخنساء، وقد استشهد من أبناء الخنساء مَن استشهد، ومات مَن مات أثناء حياتها، فأضاف فقدهم حزناً إلى حزنها على أبيها وإخوتها، ولم يبق لها في شيخوختها إلا ابنتها عُميرة.

8

الخنساء والخليفة عمر بن الخطاب

قيل إن الخنساء لم تزلْ تبكي على أخويها صخر ومعاوية، حتى أدركت الإسلام، فأقبل بها بنو عمِّها إلى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقالوا: يا أمير المؤمنين، هذه الخنساء قد قرَّحتْ مآقيها من البكاء في الجاهلية والإسلام، فلو نهيتها لرجونا أن تنتهي.

فقال لها عمر رضي الله عنه: ما قرَّح مآقي عينيك يا خنساء؟

فأجابت: بُكائي على السَّادات من مُضر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير