[روعة الجمع بين الدين و الأدب والتاريخ "منقول"]
ـ[محمد المبارك]ــــــــ[18 - 11 - 07, 06:16 ص]ـ
فصول مختارة من
موسوعة الجمال فى القرآن الكريم التى نال بها الأستاذ الدكتور
عبد الجواد المحص جائزة الشيخ الشعراوى من مجمع اللغة العربية بالقاهرة عام 2005
روعة الجمع بين الدين والأدب والتاريخ
فى القصص القرآنى
- قصة موسى مع الخضر أنموذجا -
تمهيد:
لا يمكن لكاتب يتحدث عن مجالات الجمال فى كتاب الله الحق الخالد أن يغفل الحديث عن الجانب القصصى فيه، وما يحتويه من معالم الجمال فى سرد الأحداث، وتصوير الشخصيات، وعرض المحاورات، وغيرها من العناصر التى تقوم عليها القصة القرآنية.
وهناك سببان يحتمان الحديث عن جمال القصة القرآنية هما:
أولاً: أن القصص القرآنى يخاطب حاسة الوجدان الدينية بلغة الجمال الأدبية، عارضا أمامها أحداثا من التاريخ، وصفها منزلها جل شأنه بأنها من (أنباء الغيب) التى ما كان يعلمها النبى ولا أحد من قومه قبل نزولها، فهى وثائق تاريخية، بل أوثق ما يكون بين يدى التاريخ من وثائق على مر العصور وكر الدهور.
ثانياً: أن القصص القرآنى قد نعته منزله بأنه (أَحْسَنَ الْقَصَصِ)، حيث قال جل شأنه: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) يوسف الآية الثانية، والمعنى: أن القصص القرآنى هو الغاية فى الحسن والكمال والجلال.
ولما كان الحديث عن القصص القرآنى وما فيه من جمال وجلال وكمال حديثاً متشعب الأطراف، يحتاج إلى مجلدات وأسفار، فإنى آثرت أن أقف عند خصوصية يتفرد بها ويتميز هى جمعه بين الدين والأدب والتاريخ:
فنحن إذ ننظر إلى القصص القرآنى من زاوية الأحداث التى يعرضها أو يشير إليها، يتأكد لدينا أن هذا القصص قصص تاريخى يستمد لبناته من حقائق التاريخ، بالقدر الذى يؤدى الوظيفة الأساسية المقصودة من البيان القرآنى العظيم.
والقصص القرآنى يتضمن توجيهات دينية تدعم سائر ما جاءت به الشريعة المحمدية من مبادئ وعقائد، وكل ما أنكرته من خلق وعادات وآراء زائفة، وعقائد وعبادات باطلة .. نلمح ذلك ونحسه أغراضا وأهدافاً تأتى بين طيات هذا القصص وفى ثناياه وحواياه.
والقصص القرآنى قصص أدبى باعتبار قالبه البيانى الذى يصب فيه أحداثه، أو باعتبار اشتماله على سائر مقومات القوة الفنية فى أرقى درجاتها، وعلى سائر أسباب التأثير التعبيرى التى عرفها المخلوق، وما سوف يعرف، وهو الأستاذ الحق لكل أدباء القصة، أينما حلوا، وفى أى زمان هلوا.
على أن هذا القصص فى مجموع آياته التى تزيد على ألف وخمسمائة يمثل ربع القرآن الكريم - كتاب العربية الأكبر - ذلك الذى جعل الجمال الأدبى أداة مقصودة للتأثير الوجدانى، فخاطب فى هذا القصص وغيره من الجوانب التى تضمنها حاسة الوجدان الدينية بلغة الجمال الأدبية، معتمداً على أن الدين والأدب صنوان فى أعماق النفس وقرارة الحس، وعلى أن أشد المواعظ الدينية نفاذاً إلى القلوب ما عرض فى أسلوب قصصى جذاب يحمل على المشاركة الوجدانية للأشخاص والتأثر بالأحداث والانفعال بالمواقف، ويملك القدرة الباهرة على إخراج قارئه أو سامعه من حدود نفسه إلى تلك الأجواء، فيعيش فيها، ويندمج معها.
ويصعب على المرء أن يبرز هذه الثلاثية الرائعة (الدين والأدب والتاريخ) فى كل قصة قرآنية، فإن ذلك يحتاج إلى أسفار تنوء بحملها الجبال.
لذلك أكتفى - هنا - بقصة واحدة، أسوقها مثالاً يغنى القارئ عن عشرات الأمثلة، ألا وهى قصة موسى مع العبد الصالح الذى يسميه المفسرون (الخضر) عليه السلام.
وقد آثرتها هى بالذات، لأنها وثيقة تاريخية فريدة، حتى إن اليهود الذين يدعون الإحاطة التامة بأخبار موسى، لم يعرفوها إلا بعد نزولها على الرسول عليه السلام. ونبدأ أولاً بما قاله الحق فيها، ثم نتبع ذلك بالدراسة والتحليل الكاشفين عما فيها من أحداث تاريخية سيقت بلغة الجمال الأدبية، تحقيقاً للعبرة الدينية.
قصة موسى عليه السلام والعبد الصالح
قال تعالى:
¥