تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

"وإذا كان ( e) نجماً إنسانياً فى نوره، فلن يأتى هذا إلا من غلبة روحانيته على مادته، وإذا غلبت روحانيته كانت قواه النفسية مهيأة فى الدنيا لمثل حالتها فى الأخرى، فهو فى هذه المعجزة أشبه بالهواء المتحرك. فقل الآن: أيعترض على الهواء إذا ارتفع بأنه لم يرتفع فى طيارة ... ؟

ومن ثم كان الإنسان إذا سما درجة واحدة فى ثبات قواه الروحية، سما بها درجات فوق الدنيا وما فيها، وسخرت له المعانى التى تسخر غيره من الناس، ونشأت له نواميس أخلاقية غير النواميس التى تتسلط بها الأهواء. ومتى وجد الشئ من الأشياء كانت طبائع وجوده هى نواميسه، فالنار مثلاً إذا تضرمت أوجدت الإحراق فيما يحترق، فإن وضع فيها مالا يحترق أبطل نواميسها وغلب عليها.

وكل معجزة تحدث فهذا هو سبيلها فى إيجاد النواميس الخاصة بها وإبطال النواميس المألوفة، وبهذا يقال: إنها خرقت العادة. ومن النور نور لا يشف له غير الهواء، ومنه أشعة (رونتجن) التى تشف لها الجدران والحجب، فهذه معجزة فى ذاك» ([48]). أ. هـ.

هكذا يتضح على ضوء ما تقدم ذكره من أمثلة: أن كل سورة من سور القرآن الكريم ذات ابتداء حسن، ومطلع جميل، واستهلال بارع، ولم لا يكون الأمر كذلك ومنزل القرآن الكريم: جميل يحب الجمال فى كل شئ؟

وابتداء السورة دائماً مناسب تمام المناسبة لموضوعها وجوّها، يؤكد هذا أنك ترى - مثلاً - ابتداء سورة (المرسلات) يختل عن ابتداء سورة (الضحى)، ففى الولى يقسم الحق سبحانه بـ (المرسلات عرفا. فالعاصفات عصفا. والناشرات نشراً. فالفارقات فرقاً. فالملقيات ذكرا. عذرا أو نذرا. إنما توعدون لواقع)، فتشعر أن ابتداءها على هذا النحو الذى ينشئ هزة قوية فى الحس، وتوجّسا فى الشعور، وتوفزا وتوقعا لشئ يهول ويروع، مناسب تمام المناسبة لما تعرضه السورة من حقائق الكون والنفس، ومشاهد الدنيا والآخرة، ومناظر الهول والعذاب للمكذبين.

أما سورة الضحى، فتشعر من مطلعها أنك أمام لمسة من حنان، ونسمة من رحمة، وطائف من ود. ويد حانية تمسح على الآلام والمواجع، وتسكب الأمن والطمأنينة واليقين. ذلك أن السورة كلها خالصة للحبيب محمد e ، فيها تسرية له من ربه وتسلية وترويح وتطمين .. كلها أنسام من الرحمة، وألطاف من القربى، وهدهدة للروح المتعب، والقلب الموجوع ([49]).

جمال الرسم العثمانى للمصحف الشريف

نقصد بالرسم العثمانى للمصحف الشريف: رسم الكلمات القرآنية فى المصحف الشريف على نهج خاص لا يطابق قواعد الإملاء المرعية فى الكتابة العادية لغير الآيات القرآنية.

ومعروف ان الذين كتبوا المصحف الإمام فى عهد سيدنا عثمان قد راعوا فى كتابه اللسان القرشى الذى على ضوئه كانت قواعد الإملاء والرسم.

ومن بدائع الإعجاز فى ذلك الرسم العثمانى للمصحف الشريف أن الكلمة تكتب بطريقة فى سورة غير ما تكتب به فى سورة أخرى، وشواهد ذلك فى المصحف جد كثيرة.

ويعد المصحف الإمام الذى تمت كتابته فى عهد سيدنا عثمان رضى الله عنه الأساس الذى نسخت منه جميع المصاحف إلى يومنا هذا، وبالتالى أصبح خطه ورسمه هو الأساس الذى لا تجوز مخالفته حتى إنه اشتهر بالرسم العثمانى فهذا الرسم العثمانى سنة قائمة لا يجوز لأحد أن يتعداها فهو مما ثبت لدى جمهور الأمة، فقد سئل الإمام مالك: هل تكتب المصحف على ما أخذته الناس من الهجاء؟ فقال: لا، إلا على الكتبة الأولى، وقال الإمام أحمد: تحرم مخالفة خط مصحف عثمان فى ياء أو واو أو ألف أو غير ذلك ([50]).

خذ من بدائع الإعجاز فى الرسم العثمانى وجماله شاهد من قوله تعالى: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) الكهف: 49 وقوله تعالى: (مَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا) النساء: 78 وقوله تعالى: (مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ) الفرقان: 7.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير