تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فى الموجود والمحسوس. وأربع منهن [اِمْرَأَةَ نُوحٍ، وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ، امْرَأَةُ الْعَزِيزِ، اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ] منفصلات فى بواطن أمرهن عن بعولتهن بأعمالهن، فأمرأة نوح وامرأة لوط كانات تحت عبدين صالحين فخانتهما، وامرأة العزيز راودت فتاها عن نفسه وامرأة فرعون قالت: (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وواحدة خاصة واصلت بعلها باطناً وظاهراً [إلى أن مات] وهى امرأة عمران، فجعل الله لها ذرية طيبة [فولدت مريم، ومريم ولدت عيسى] وأكرمها الله بذلك وفضلها على العالمين وواحدة من الأربع انفصلت بباطنها عن بعلها طاعة لله، وتوكلا عليه وخوفاً منه فنجاها وأكرمها، وهى امرأة فرعون وإثنتان منهن انفصلتا عن زوجيهما كفرا بالله، فأهلكهما الله ودمرهما، ولم ينتفعا بالوصلة الظاهرة، مع أنها أقرب وصلة بأفضل أحباب الله: [نوح ولوط]. كما لم تضر إمراة فرعون وصلتها الظاهرة بأخبث عبيد الله [فرعون]. وواحدة انفصلت عن بعلها بالباطن اتباعاً للهوى وشهوة نفسها [امراة العزيز] فلم تبلغ من ذلك مرادها، مع تمكنها من الدنيا واستيلائها على من مالت إليه بحبها وهو فى بيتها وقبضتها، فلم يغن ذلك عنها شيئاً. وقوتها وعزتها إنما كانا لا من بعلها (العزيز)، ولم ينفعها ذلك فى الوصول الى إرادتها مع عظيم كيدها. كما لم يضر يوسف ما أمتحن به منها، ونجاه الله من السجن، ومكن له فى الأرض، وذلك بطاعته لربه، ولا سعادة إلا بطاعة الله، ولا شقاوة إلا بمعصيته، فهذه كلها عبر وقعت بالفعل فى الوجود فى شأن كل أمرأة منهن، فلذلك مدت] وفتحت [تاءاتهن ... فى الرسم العثمانى بالمصحف الشريف ([55]).

وإذا كان بدر الدين الزركشى - بتعليله هذا - قد وضع المفتاح فى القفل لمن يأتى بعده من الدارسين، فإننى أستخدم هذا المفتاح نفسه لأضيف إلى ما قال: أن فى هذه المواضع السبعة أمر يلفت النظر ويسترعى الإنتباه، وهوأن القرآن الكريم لم يستخدم لفظ (زوج)، فلم يقل: (زوج نوح وزوج لوط وزوج عمران وزوج العزيز وزوج فرعون) كما قال - مثلاً فى نصح الرسول عليه الصلاة السلام لزيد بن حارثه حين دب الخلاف بينه وبين زوجه زينب بنت جحش: (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ) الأحزاب: 37، ولم يقل: (أمسك عليك امرأتك).

والحكمة من هذا: أن عبارة (امراة عمران) وقد جاءت فى سياق قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ). آل عمران: 33 (إذ قَالَتْ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) سورة آل عمران: الإية رقم: 35.

وقولها هذا كان بعد موت زوجها عمران، فكيف يقول القرآن (زوج عمران) بعد أن فرق الموت بينها وبين زوجها وزالت الحياة الزوجية بالوفاة.

والحياة الزوجية بالنسبة لكل من امرأة نوح وامرأة لوط، لم تكن قائمة من كل الوجوه، بسبب الإختلاف فى الدين والعقيدة بين الزوجين، وكأن القرآن بهذا التعبير ((اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ واِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ) يريد أن يقول: ليس من مقام نوح أن تكون هذه زوجة له، ولا من مقام لوط أن تكون هذه زوجته، ولا من مقام آسيا بنت مزاحم أن تكون زوجة لفرعون الكافر الذى إدعى الألوهية.

وكذلك الحياة الزوجية بالنسبة لأمرأة العزيز لم تكن قائمة من كل الوجوه، لأنها امرأة تحكمت فيها الغرائز، وتغلبت عواطفها على الواجب، فتفننت فى وسائل الفتنة والإغراء حينما استبد بها الحب، وغلبها الهوى، وأسرها جمال فتاها يوسف، فأندفعت بكل عواطفها نحو طريق الرزيلة، والإقدام على خيانة زوجها فى عرضه وشرفه، غيرعائبة بالقيم السديدة والحقوق الزوجية الرشيدة وإستخدمت فى سبيل الوصول الى أغراضها الدنيئة كل ما أوتيت من وسائل المكر والدهاء والكيد وسعة الحيلة. فهل تستحق بعد هذا كله أن يخلع عليها القرآن الداعى إلى العفة والفضيلة لقب (زوج العزيز)؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير