قد جاء يدعو ربَّهُ في ذِلَّةٍ ... والله يَقْبَلُ مَنْ يشاء وينصرا
يهواك، يشهدُ دَمْعُه وأنينُه ... وَلْتَشْهَدِ الأحجارُ عندك والثَّرَى
قِفْ ها هنا، واسترجع الذكرى معي ... واسأل جبالاً، تَسْتَجِيبُ وتُخْبِرا
قِفْ، ها هنا نزل الختامُ، فَمِسْكُهُ ... ?الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ?، فَأَكْمَلَ مَنْ بَرَا
واقرَأْ: ?وَأَتْمَمْتُ?، فقد نَزَلَتْ هُنا ... فَأَقَرَّتِ الإسلامَ دِينًا آخِرَا
واقرَأْ: ?رَضِيتُ? وقد تَبَاعَدَ عهْدُها ... وانظر، فقد صار الكمالُ مُبَعْثَرا
وتَفَرَّقُوا. وتَمَذْهَبُوا. وتَشَرْذَمُوا ... والكل أصبح تائهًا أو حائرا
فتحول الإفكُ المبينُ إلى هدًى ... وتصدَّر الجهلُ الحياةَ وفسَّرا
عرفاتُ، قد نسي الجميعُ ختَامَهم ... ?الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ?، وجئتُ مُقَرِّرا
أن الرسولَ هو الإمامُ لِمَنْ نَجَا ... حَمَلَ الرسالةَ مُنذرًا ومُبَشرا
يا ربُّ، إني قد أتيتكُ بارئًا ... مِنْ كُلِّ نِدٍّ للعبادِ مُزَوَّرَا
فارحم عُبَيْدك يا رحيمُ برحمةٍ ... واجعله في عِلْمِ الشريعة مُبْصِرا
يا ربُّ، إني قد رفعتُ يدي هنا ... فاقْبَلْ، ولا تُرْجِعْ عُبَيْدَك خَاسِرا
واغفر لإخواني جميعًا ذنبَهم ... واستر عليهم يا حليم وَكَثِّرَا
عرفاتُ، قد حان الوداعُ وقارَبَتْ ... ساعَاتُه والقلبُ فيكَ مُصَوَّرا
قد شاء ربُّ العالمين فراقَنا ... بعد الغروبِ لكي أعود القهقرى
وشددتُ رحلي نحو جَمْعٍ قاصدًا ... وِدْيَان جَمْعٍ للصلاة مع الكَرى
جمع النبيُّ بها الصلاةَ جماعةً ... والفجرَ قد أداه فيها مُبْكِرا
يا جَمْعُ، قد فاضت دموعي حسرةً ... جاء الكسيرُ إلى العزيز لِيَجْبُرا
فأتيتُ مَشْعَرَها ألوذ بناصري ... ولِسانُ حالي قد أبان وعَبَّرا
فذكرتُ ربي عنده متمثلاً: ... ?فَإِذَا أَفَضْتُمْ? والهدايةَ أَشْكُرا
ثم انتهينا والرحيلُ إلى منًى ... قد حان قبل شُروقها أن تظهرا
يا راحلين إلى منًى، هيا بنا ... هيا إليها بادئًا ومُكَرِّرا
فقصدتُ جمرتَها لأرمي سَبْعها ... ورفعتُ بالتكبير صوتًا هَادِرا
الله أكبر عند كل قذيفةٍ ... في وجه ذنبي كي أعود مُحَرَّرا
الله أكبر قد رميتُ خطيئتي ... الله أكبر والذنوبَ على الثرى
الله أكبر نَجِّنِي يا خالقي ... مِنْ خِزْي يومٍ خاب فيه مَنِ افترى
ومضيتُ أذبح ما تيسر مُقْتَدٍ ... بكتابِ ربِّي هاديًا ومُقَدِّرا
يا ربُّ، هَذِي من عُبَيدك فِدْيَةٌ ... قَلَّتْ. وَقَلَّ البيعُ، قَلَّ المُشْتَرَى
فاقبل من العبد الفقير سؤاله ... قد جاء بيتكَ، هل سيرجع أفقرا
وحلقتُ بعد الذبح مقتديًا به ... تالله لا تسأل سواه مُفَسِّرا
فاليومَ يَسَّرَ للحجيج أمورَهُم ... لا حرج فيما قَدَّمُوا أو أُخِّرا
ورجعتُ نحو البيتِ يسبقني فمي ... فأنا المُتَيَّمُ مُقْبِلاً أو مُدْبِرا
واسأل دهورًا كم عَشِقْتُ خيالَه ... وملأت عيني منه حتى أُبْصِرا
وشربت كأسًا من هواه تيمنًا ... فَغَسَلْتُ كُلِّي منه طيبًا عَنْبَرا
فبدأت أسعى بالإفاضة طائفًا ... متذللاً. متضرعًا. مُستغفرا
ئم اتخذتُ من المقام صلاتَه ... قد جاء تنزيلُ الهداية آمرا
وشربتُ من ماء السقاية زمزمًا ... فغسلتُ نفسي حامدًا أو شَاكرا
ثم اتجهتُ إلى الصفا بدءًا به ... وختمتُ بالمرو العتيق شعائرا
يا ربُّ، عند المَرْوِ أَختم حَجَّتي ... فاسْتُرْ عُبَيْدك بالهدايةِ إذْ عَرَى
واختم له بالحق عند مماته ... واجعل له من فيض جودك ناصرا
فأنا الصغيرُ، فَقَدْتُ كُلَّ وسائلي ... ولقد هفوتُ وجئتُ بابك صاغِرا
وَشَرَعْتُ بالعَوْدِ الأخير إلى منّى ... لا حَرَج في يومين تَبْقَى ذاكرا
أو من أراد ثلاثة يَبْقَى بها ... فكتابُ ربِّك قد أجاز وخيَّرا
جاء الفُراقُ لأرضِ مَكَّةَ بعد ما ... كان اللقاءُ على القلوب مُؤَثِّرا
فذهبتُ للبيت العتيق مُوَدِّعًا ... فَاثَّاقَلَتْ رجلاي أَنَّى أَهْجُرا
وانْهَلَّ من تلك العيونِ سحائبٌ ... بالجمرِ يغلي هائجًا أو فائرا
فوضعت كفي فوق أحجارٍ بَدَتْ ... للبيتِ. هل يا بيتُ أَرْجِعُ زَائِرا
يا بيتُ، هل هَذي نهايةُ عهدِنا؟ ... يا بيتُ وَدِّعَ بالسلامِ مُسَافِرا
طَوَّفْتُه بالدمع سبعًا داعيًا ... عَوْدًا من الرحمان برًّا طاهرا
تلك المناسكُ قد جمعتُ صحيحها ... واسأل كتاب الحج، واسأل جابرا
ـ[أبو الفضل المصرى]ــــــــ[24 - 11 - 07, 01:58 ص]ـ
¥