ـ[سامي الفقيه الزهراني]ــــــــ[26 - 12 - 07, 01:54 م]ـ
وقفت على كلام نفيس لأبي علي الفارسي- رحمه الله تعالى - تناول فيه
مسألة: {تنحَّى, وتَناحى, وتَنَحْوَى} بتفصيل مطول, واحتجاج مؤصل؛ أحببت نقله إليكم برمته؛
ليفصل النزاع بين المتخاصمَيْن, ويحسم القضية بين المتحاكمَيْن ..
قال أبوعلي الفارسي في كتابه الشيرازيات
{2/ 508 - 513}
تحقيق: (أ. د: حسن هنداوي)
المسألة الثانية والثلاثون ..
مسألة قولهم:تَنحَّى وتَناحى وتَنَحْوَى
((تنحَّى)) الأصحُّ في هذا المعنى والأخصُّ به ,قال الشاعر:
تحلَّم عن الأدنين واستبق ودهم .... ولن تستطيع الحلم حتى تحلَّما
أي: حتى تنسب إليه, وإنما ينسب إليه إذا أتى بأشياء يفعلها الحليم, فيجعل من أهله.
وقولهم: ((تنحوى)) من ((النحو)) صحيح في القياس, إلا أنَّ اللفظين الآخرين اللذين هما:
{تفعَّل وتفاعل} أشد اختصاصا بهذا المعنى. {يقصد معنى: النسب إلى الشيء}
وجوازه- أي:- تنحوى - من وجهين:
أحدهما: أن تزيد على اللام لامًا مثلَها, كما زيد على جَلْبب, وشَمْلل, وصَعْرر, فكما زيد على كل واحدة من هذه اللامات مثلُها, فكذلك يزاد على الواو التي هي لام مثلُها ,فإذا زيدت عليها لزم انقلابها ياء لأن الواو إذا وقعت رابعة في هذا النحو أبدلت منها الياء, يدل على ذلك قولهم: تنََحْوَيْتُ, تبدل الواو الثانية التي زيدت على اللام ياء.
والوجه الآخر: ألاّ تجعل الياء منقلبة عن الواو, ولكن تزيد على اللام ياء, كما زيدت في:سلْقيت وجعْبيت, وهما من سلق وجعب, فزيد على كل واحدة منهما الياء ليبلغا بنات الأربعة, نحو دحرج وسرهف, فكذلك هذه الكلمة, كأنه: نَحْوَيْتُ, ثم دخلت التاء للمطاوعة, كما دخلت في جعبيته فتجعبى, وسلقيته فتسلقى.
فأما ((تَفاعَلَ)) فإنه يجيء على ثلاثة أضرب:
أحدهما: أن يراد به فِعْلُ اثنين فصاعدًا, قال سيبويه:
(ولا يتعدى إلى مفعول به, وذلك نحو: تضاربنا وتقاتلنا وترامينا).
والضرب الثاني: ألآّ تريد به فِعلَ اثنين, وذلك نحو قولنا في صفة القديم (1)
((سبحانه وتعالى)) , فمعنى {تعالى}
معنى ((علا)).وكذلك قولهم: تَمارَيْتُ في ذلك وتَقاَضيْتُه.
والثالث: أن يُرِيَ أنه في حالٍ ليس فيها, وذلك نحو: تَغَافَلْتُ, وتَعَايشْتُ, فمعنى ((تَغافَلَ))
إنما هو أن يوهمه أنه غافل, وليس كذلك. ويبين هذا قول الشاعر:
إذا تَخازَرْتُ ومابي من خَزَرْ
فقوله ((ومابي من خَزَرْ)) يبين أنه يُظهِِر أنه في أمر, ليس هو فيه,
وقد قال ذو الرمة:
ومن جُرْدَةٍ غُفْلٍ بَسَاطٍ تَحاسَنَتْ .... بها الوَشْيَ قَرّاتُ الرِّياحِ وخورُها
فعدَّى {تَفاعَل} مُجرى {تَفعَّل} , و {تَفعَّل} متعدٍّ, نحو: تقعَّدته, ونحو قول الشاعر:
ولا تَهيَّبُني المَوْماةُ أركبُها .... إذا تَجاوَبتِ الأصداءُ بالسَّحَرِ
فكما عدَّى ((تَفَعَّل)) ,وكان ((تَفاعَلَ)) بزنته, ويجريان قبل دخول حرف المطاوعة عليهما مُجرى واحدا, نحو: ضاعفَ وضَعّف, =أجراهما بعد دخول حرف المطاوعة عليهما مُجراهما قبل دخول الحرف. وأنشد أبو عبيدة:
تخَاطَأتِ النَّبلُ أحشاءَهُ ..............................
فمن حمل هذا البيت وبيت ذا الرُّمُة على ظاهرهما جاز عنده في قوله سبحانه: {تَسَّاَقطْ عليك رطبًا جنيًا} أن يكون انتصاب الرطب على أنه مفعول به, ومن لم يجز تعدِّي ((تَفاعَلَ)) كان انتصاب قوله {رطبا} على الحال’ كقولنا: زيد جاء رجلا صالحا.
وأما ((تَفَعَّل)) فإنه يجيء في إرادة الرجل أن يدخل نفسه في أمر حتى يُضاَف إليه ويُنسبَ إلى أهله, وذلك نحو: تَشجََّع, وتَبَصَّر, وتَمَرَّأ: إذا أدخل نفسه في أهل المروءة.
= والمروءة من أحد أمرين: إما أن تكون من ((مرأني الطعام)):إذا انهضم؛ لأن متحملها كثيرًا مايهضم نفسه من أجلها, فيتحمل مما بثقل ما لايتحمله المطَّرح لها. أو من ((المرء)) الذي يراد به الرجل كالرجولة. ومن قال: إنها مأخوذة من ((مرآة العين)) فقد كان السكوت عن هذا الكلام أزين له وأجمل به =.
فقولهم من النحو ((تَنَحَّى)) تقديره: أنه أحب إدخال نفسه فيه حتى يعد من أهله, فهو مثل: تشَجَّع, وتَقيَّس, وتَنَزَّر, فـ ((تنحَّى)) و ((تَناحى)) يليقان بهذا المعنى, و ((تَنَحْوى))
= وإن كان جائزاً من حيث قدمت ذكره =
فليس له بهذا المعنى اختصاص اللفظتين الأخريين به. أ. هـ
ـــــــــــــــــ
(1) القديم, ليس من أسماء الله الحسنى ولا صفاته العلى .. فالواجب الاقتصار على ما أخبرنا الله به في كتابه, وما أخبرنا به نبيُّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في سنته من غير تشبيه ولاتمثيل, ومن غير تكييف ولا تعطيل .. هذا مذهب أهل السنُّة والجماعة.
والصواب: {الأوَّلُ}؛لأنه سبحانه: أوَّلٌ بلا ابتداء, آخِرٌ بلا انتهاء.