تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولولا ضرورات الوقت، لأفضت في ما ذكرته بخصوص "الضرورة الشعرية"، ولكن ثق أن استعمال "لا أبا لك" فيما روي عن الصحابة رضي الله عنهم ورد في كلام مرسل غير منظوم. وبالتالي، نفسح _نحن المتطفلين_ المجال لإخواننا النحويين حتى يتحفونا بتوجيهاتهم لهذا الإشكال. وبعدها، قد "نتطفل" عليهم بإضافة أو اعتراض ...

أما سؤالك عن "ابتسامة المتطفل"، فلست أدري إن كنت تُلغِز، إذ يقيني أنك لا تهمز ولا تغمز ..

وقد تتبعت أخبار المتطفلين، فلم أر أظرف منهم ولا أخف روحا. لذا، سمحت لنفسي أن "أتطفَّل" على موائد اللغويين والنحاة، لا لمجاراتهم أو مزاحمتهم، بل فقط لتخفيف أجوائهم .. فمن المقرر _وأنت أدرى_ أنه لا أبرد ولا أثقل من نحوي إذا تفذلك في المجالس. وفي هذا الباب، يروى أن بعضهم عاد نحويا فقال له: "ما الذي تشكوه؟ " فأجاب النحوي: " حُمَّى منها الأعضاء واهية، والعظام بالية". فقال له متضمِّرا من تقعُّره: "لا شفاك الله بعافية، يا ليتها كانت القاضية"!!

واعلم _يا رعاك الله_ أن قولهم "فلان متطفل" جائز في لغة العرب عموما وفي كلام أهل العراق تحديدا. وكان الأولى أن يقال "طفيلي"، نسبةً إلى رجل من أهل الكوفة اسمه "طُفَيْل بن زلاَّل"، كان _على زعم أبي عبيدة_ يأتي والولائم دون أن يدعى إليها. وقد بلغ مِن تطفُّله أن كان يردِّد: "وَدِدْتُ أنَّ الكوفة كلَّها بِرْكةٌ مُصَهْرَجَةٌ، فلا يخفى عليَّ منها شئ"!! (تصوَّر ... ) وكان يدعى "طُفَيْل الأعراس" و"طُفَيل العرائس".

وفي رأيي المتواضع _وهنا لست أتطفَّل على اللغويين_ أن الكلمة مشتقة من الجذر "ط ف ل"، ولا علاقة لها بـ "طفَيل" هذا، لأنها قريبة في دلالاتها من مشتقات أخرى لنفس الجذر. فالتطفيل: السير الرويد. وطفَّلت الشمس بالغروب، أي: دنت للغروب. وطفل الليل: دنا وأقبل بظلامه. ومن هنا سمِّي الطفيلي طفيليا ومتطفلا، لأنه يُظلم على القوم أمرُه، فلا يدرون مَن دعاه؟ ولا كيف دخل عليهم؟ وأنت إذا تتبعت كل مشتقات "ط ف ل"، تلاحظ أن معظمها يحمل دلالة اللطف والنعومة والتحرك ببطء. وهكذا "الطفيلي": يتنعم بلطف ليتوغل ببطء ونعومة إلى مجالس ومآدب لم يُدْع إليها ...

أقول هذا بكل تحفظ، في منتدى يؤمّه اللغويون والنحاة، حتى لا يقال: "طفيلي، ويجلس في الصدر"!

ولعل من ألطف ما قيل في الطفيليين والمتطفلين، قول طفيلي في نفسه:

نحن قومٌ إذا دُعينا أَجَبْنا

ومتى نُنْسَ يَدْعُنا التطفيلُ

ونَقُلْ عَلَّنا دُعِينا فغِبْنا

وأتانا فلم يَجِدْنا الرسولُ!!

ومن مُلَح الطفيليين: أن أحدهم دخل على قوم يأكلون، فقال: "ما تأكلون؟ " فقالوا مِن بغضه: "سُمًّا". فأدخل يده وقال: "الحياة حرام بعدكم"!! وسئل طفيلي: "كم اثنان في اثنين؟ " فأجاب: "أربعة أرغفة"!!

ويروى أن طفيليا مرَّ بقوم يتغدّون، فقال: "سلام عليكم معشرَ اللئام". فقالوا: "لا والله، بل كرام! " فثنى رجله وجلس، وقال: "اللهم اجعلهم من الصادقين، واجعلني من الكاذبين"!!

ومن المنقول عن أذكياء المتطفلين ما رواه أبو عمرو الجهضمي، قال:

كان لي جار طفيلي، وكان مِن أحسن الناس منظرا، وأعذبهم منطقا، وأطيبهم رائحة. فكان من شأنه إذا دعيت إلى وليمة، يتبعني. فيكرمه الناس من أجلي، ويظنون صحبتي له. فاتفق أن جعفر بن القاسم الهاشمي، أمير البصرة، أراد أن يختن أولاده، فقلت في نفسي: "كأني برسول الأمير قد جاءني، وكأني بالطفيلي قد تبعني! والله لئن فعل، لأفضحنه".

فأنا على ذلك، إذ جاءني رسول الأمير يدعوني. فما زدت على أن لبست ثيابي وخرجت، فإذا أنا بالطفيلي واقف على باب داره، وقد سبقني بالتأهب! فتقدمت، وتبعني ..

فلما حضرت الموائد، كان معي على المائدة! فلما مدَّ يده ليأكل، قلت: حدثني درسة بن زياد، عن أبان بن طارق، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دخل دار قوم بغير إذنهم فأكل طعامهم، دخل سارقا وخرج مُغِيراً". فلما سمع الطفيلي ذلك، قال: "أنفتُ لك والله يا أبا عمرو من هذا الكلام، على مائدة سيد من أطعم الطعام! فإنه ما من أحد من الجماعة إلا وهو يظن أنك تُعَرِّض به دون صاحبه. وقد بخلتَ بطعام غيرك على من سواك، ثم ما استحييتَ حتى حدثت عن "درسة بن زياد"، وهو ضعيف؛ وعن "أبان بن طارق"، وهو متروك الحديث!! والمسلمون على خلاف ما ذكرتَ. فإن حكم السارق القطع، وحكم المُغِير أن يعزَّر على ما يراه الإمام. وأين أنت من حديث: حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن الزبير، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية". وهو إسناد صحيح ومتن صحيح متفق عليه"!!

قال أبو عمرو: فوالله لقد أفحمني، ولم يحضرني جواب! "

وفي الأخير: أقترح على النحويين من رواد المنتدى أن يأتونا بتوجيه لعبارة "لا أبا لك"، وعلى المتفقهة أن يقدِّموا لنا التعليل الشرعي لورود هذه العبارة على لسان بعض الصحابة. ولكني أخشى أن يقال: "طفيلي ويقترح"!!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير