تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذه بعض الأمثلة والنماذج الموجزة التي تشعِر بأهمية اللغة العربية وتفرّدها وقدسيتها. ذلك أنها اللغة الوحيدة من بين لغات الدنيا التي تتصف بهذه الصفة وتجعلها ميراثاً وأمانة يتلقاها الخلف عن السلف ويبلغونها لمن بعدهم دون أن يكون لهم حرية التغيير أو التصرف فيها. ولهذا نراها لا زالت غضّة طريّة كما كانت عليه قبل أكثر من أربعة عشر قرناً. ويستطيع بها ابن هذا القرن الخامس عشر أن يقرأ ما أنتجه أبناء العصر الجاهي والإسلامي وما بعدهما ويفهم بكل يسر وسهولة، فيما يندر أن تجد لغة يفهم فيها أبناء الجيلِ الجيلَ السابق عليهم. ولعل هذا ما يفسر لنا السبب وراء تلك الحملات العاتية التي تتعرض له اللغة العربية من قبل أعدائها منذ مطلع هذا القرن الميلادي [4] ما [لم] تتعرض له أي لغة أخرى –فيما أعلم- لأن اللغة العربية ليست كهذه اللغات أداة للتفاهم فحسب، وإنما هي وعاء لموروث مقدّس خالد ومنهاج حياة، يتمثّل في القرآن والسنة وما خلفه السلف لنا من شتى العلوم والفنون والمعارف، مما جعل الأعداء حريصين على أن يقطعوا صلتنا بهذا الماضي التليد سالكين لتحقيق ذلك سبلاً متعددة، منها: الدعوة إلى العامّية، لكي يتمزّق شمل العرب بين عامّيات متعددة، وتنقطع صلتهم بالفصحى ومن ثمّ بالقرآن والسّنّة. ومنها: الدعوة إلى إحلال الحروف اللاتينية محل الحروف العربية، لكي لا يستطيع المسلمون قراءة تراثهم المكتوب بالحروف العربية كما حصل في تركيا. ومنها الدعوة إلى إلغاء الإعراب وحركاته لكي ينعدم التفريق والتمييز بين الفاعل والمفعول والمرفوع والمنصوب والمجرور، فيضيع المعنى المراد ويلتبس الفهم، إلى غير ذلك من الدعوات الخبيثة التي نشرها الأعداء في مصر بادئ ذي بدء نظراً لأهميتها وثقلها في العالم العربي، ثم انطلقوا منها إلى بقية البلاد العربية. وقد بدأ هذه الحملات مستشرقون حاقدون، وتلقّفها عنهم عرب مستغربون بكل أسف. ولكن هذه الحملات كلها باءت بالفشل بفضل الله الذي حرس العربية وقيّض لها بعض الغيورين الذين دافعوا عنها ونافحوا بالحجة والبرهان، مما هو محفوظ ومسجل في مناظرات ومحاورات شهدتها حقبةُ الخمسينات في مصر. «ويمكرون ويمكر اللهُ واللهُ خير الماكرين»، «إنّا نحنُ نزّلنا الذكرَ وإنّا له لحافِظون».

إعداد الدكتور محمد بن خالد الفاضل

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير