تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[رسالة العلامة الألباني إلى الشيخ الحويني حول آثار الصحابة في التفسير]

ـ[أبو معاوية البيروتي]ــــــــ[12 - 09 - 08, 04:03 م]ـ

قال الشيخ أبو إسحاق الحويني في مقدّمة تحقيقه لتفسير ابن كثير (1/ 8 / ط. ابن الجوزي):

توقفتُ طويلاً في الحكم على الآثار التي يوردها ابن كثير: هل أخضعها لقواعد المحدّثين من النظر في رجال السند، واعتبار ما قيل فيهم من جرحٍ وتعديلٍ، أم أتساهل في ذلك وأداني البحثُ والتأمل أنه لا بد من إخضاع كل ذلك لقواعد المحدّثين، إذ الكل نقلٌ، وأصول الحديث إنما وضعها العلماء لذلك.

ولأني أشعر بخطورة الأمر، عرضتُ ما وصلتُ إليه على مَن أثق بعلمه ورأيه من شيوخي وإخواني، فكتبتُ لشيخنا الشيخ الإمام، حسنة الأيام، أبي عبد الرحمن ناصر الدين الألباني حفظه الله ومتّع به أذكر له ما انتهى إليه بحثي، وما اخترتُهُ منهجاً لي في العمل، وذلك في آخر شوال 1415 هـ، فأجابني إلى ما أردتُ برغم مرضه الشديد - آنذاك - عافاه الله ورفع عنه.

وهاك رسالة شيخنا حفظه الله بحروفها:

"إلى الأخ الفاضل أبي إسحاق الحويني حفظه الله، ووفّقه إلى ما يحب ويرضاه.

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

أما بعدُ، فقد ذكرتَ - بارك الله فيك - أنك في صدد تحقيق تفسير الحافظ ابن كثير، وأن العلماء وطلبة العلم اختلفوا عليك في إخضاع أسانيد التفسير كلِّها لقواعد المحدّثين إلى فريقين:

أحدهما: يرى أن الإخضاع المذكور فيه تضييع للتفسير، إذ غالبُهُ نسخ وكتبٌ؛ كنسخة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وكتفسير السدّي وغيرها، ومن حجّتهم المقالةُ التي تُنسَب إلى الإمام أحمد قال: ثلاثة لا أصل لها؛ منها: التفسير، قالوا: معنى لا أصل لها؛ يعني: لا إسناد لها، فهذا يدلُّ على عدم اعتبار الإسناد في التفسير، فهل هذا صحيح؟

والآخر: يرى - معك - ضرورة إخضاع ذلك لقواعد المحدّثين، ثم رجوتَ أن أسطر لك جوابي عليه، فأقول مستعيناً بالله، ومعتذراً لك عن الإيجاز فيه نظراً لظروفي الخاصّة:

لا أرى - البته - عدم تطبيق قواعد علم الحديث على الآثار السلفيّة؛ كيف؟ وهي في المرتبة الثانية بعد السنّة المحمديّة في تفسير الآيات الكريمة، فينبغي أن تُساق مساقها في تحقيق الكلام على أسانيدها، وهو الذي جرى عليه مجرى العلماءُ المحقّقون، وقد فصّل السيوطي القول في نسخة " علي بن أبي طلحة عن ابن عباس " وفي غيرها من الروايات، وبيّن ما يصحُّ منها وما لا يصحُّ على تساهل منه في التصحيح معروف، ثم نقل عن الشافعي أنه قال: لم يثبت عن ابن عباس في التفسير شبيهٌ بمئة حديث - "الإتقان" (2/ 188 - 189) -، وكلمة الإمام أحمد التي احتجّ بها الفريقُ الأول هي - إن صحَّت - حجّةٌ عليهم إذا فسِّرت على ظاهرها، لأنه لا يجوز الجزم بما لا أصل له اتفاقاً، ولذلك فسّرها المحققون من أصحابه بأن مراده: أن الغالب أنه ليس لها أسانيد صحاحٌ متصلة، وإلا فقد صحَّ من ذلك كثيرٌ، وعليه فلا يجوز أيضاً التسوية في تفسير كلام الله بين ما صحَّ من الآثار وما لم يصحّ، وأن تساق مساقاً واحداً، هذا ما لا يقوله عالمٌ، وإن قال خلافه عالم، فله وجهة نظر عنده، ولا يُجعل قاعدةً.

فهذا ابنُ تيمية الذي نسب إليه الفريقُ الأول أنه كان لا يعتبر الإسناد يقول في " مقدّمة التفسير " ولخّصه السيوطي بقوله (2/ 177): " والاختلاف في التفسير على نوعين: منه ما مستنده النقل فقط، ومنه ما يعلم بغير ذلك. والمنقول: إمّا عن المعصوم أو عن غيره، ومنه ما يمكن معرفة الصحيح منه من غيره، ومنه ما لا يمكن ذلك، وهذا القسم الذي لا يمكن معرفة صحيحه من ضعيفه عامته ممّا لا فائدة فيه، ولا حاجة بنا إلى معرفته. " اهـ

وإذا كان من المعلوم ومن المتفق عليه أنه لا سبيل إلى معرفة صحيح المنقول من ضعيفه سواء كان حديثاً مرفوعاً أو أثراً موقوفاً إلا بالإسناد، ولذلك قال بعضُ السلف: لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء، فكيف يصحُّ أن يُنسَب إلى ابن تيمية وغيره من المحققين أنهم لا يعتبرون الأسانيد في نسبة الأقوال إلى قائليها؟ وكيف يُمكن معرفة الصحيح من غيره إلاّ بالإسناد، لا سيّما وفي الآثار قسمٌ كبيرٌ له حكم الرفع بشروطٍ معروفةٍ لا مجال الآن لذكرها، من أهمّها أن لا يكون من الإسرائيليات.

وختاماً: فإني أرى أنه لا بد من إخضاع أسانيد التفسير كلّها للنقد العلميِّ الحديثي، وبذلك نتخلّص من كثيرٍ من الآثار الواهية التي لا تزال في بطون كتب التفسير، وما كان سكوت العلماء عنها إلاّ لكثرتها وصعوبة التفرّغ لها؛ وعليه: أقترح حصر النقد بما لا بدّ منه من الآثار المتعلّقة بالتفسير، بما يعين على الفهم الصحيح، أو يصرف غيره تصحيحاً وتضعيفاً، والإعراض عن نقد ما لا حاجة لنا به من الآثار كما تقدَّم عن ابن تيميّة، فإنه لا حاجة لنا فيه، والله أعلم.

وكتبه

محمد ناصر الدين الألباني

أبو عبد الرحمن

عمان - 20 من ذي القعدة سنة 1415 هـ " اهـ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير