تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد أجاب الإمام النووي في مقدمة المجموع عن دعوى تحريض الأئمة مخالفة مذاهبهم إذا خالف الحديث رأيهم بقوله: "وكان جماعة من متقدمي أصحابنا إذا رأوا مسألة فيها حديث, ومذهب الشافعي خلافه عملوا بالحديث, وأفتوا به قائلين: مذهب الشافعي ما وافق الحديث, ولم يتفق ذلك إلا نادرًا, ومنه ما نقل عن الشافعي فيه قول على وفق الحديث.

وهذا الذي قاله الشافعي ليس معناه أن كل واحد رأى حديثًا صحيحًا قال: هذا مذهب الشافعي، وعمل بظاهره, وإنما هذا فيمن له رتبة الاجتهاد في المذهب على ما تقدم من صفته أو قريب منه, وشرطه أن يغلب على ظنه أن الشافعي رحمه الله لم يقف على هذا الحديث أو لم يعلم صحته, وهذا إنما يكون بعد مطالعة كتب الشافعي كلها ونحوها من كتب أصحابه الآخذين عنه وما أشبهها، وهذا شرط صعب قَلَّ مَن يتصف به, وإنما اشترطوا ما ذكرنا؛ لأن الشافعي رحمه الله ترك العمل بظاهر أحاديث كثيرة رآها وعلمها, لكن قام الدليل عنده على طعن فيها أو نسخها أو تخصيصها أو تأويلها أو نحو ذلك.

قال الشيخ أبو عمرو –يعني: ابن الصلاح- رحمه الله: ليس العمل بظاهر ما قاله الشافعي بالهين, فليس كل فقيه يسوغ له أن يستقل بالعمل بما يراه حجة من الحديث, وفيمن سلك هذا المسلك من الشافعيين من عمل بحديث تركه الشافعي رحمه الله عمدًا, مع علمه بصحته لمانع اطلع عليه وخفي على غيره, كأبي الوليد موسى بن أبي الجارود ممن صحب الشافعي، قال: صحَّ حديثُ: (أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ) ([15]).).

فأقول: قال الشافعي: أفطر الحاجم والمحجوم, فرُدَّ ذلك على أبي الوليد; لأن الشافعي تركه مع علمه بصحته, لكونه منسوخًا عنده, وبيَّن الشافعي نسخه واستدل عليه, وستراه في (كتاب الصيام) إن شاء الله تعالى, وقد قدمنا عن ابن خزيمة أنه قال: لا أعلم سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام لم يودعها الشافعي كتبه. وجلالة ابن خزيمة وإمامته في الحديث والفقه, ومعرفته بنصوص الشافعي بالمحل المعروف.

قال الشيخ أبو عمرو: فمَن وجد من الشافعية حديثًا يخالف مذهبه نظر إن كملت آلات الاجتهاد فيه مطلقًا, أو في ذلك الباب أو المسألة كان له الاستقلال بالعمل به، وإن لم يكمل وشق عليه مخالفة الحديث بعد أن بحث فلم يجد لمخالفته عنه جوابًا شافيًا فله العمل به إن كان عمل به إمام مستقل غير الشافعي, ويكون هذا عذرًا له في ترك مذهب إمامه هنا, وهذا الذي قاله حسن متعين، والله أعلم" اهـ ([16]).).

المصادر:

1 - أصول الفقه الإسلامي، للدكتور وهبة الزحيلي، الناشر: دار الفكر بدمشق، الطبعة الأولى 1406هـ= 1986 م.

2 - أصول الفقه للشيخ محمد أبي النور زهير، الناشر: المكتبة الفيصلية بمكة المكرمة.

3 - البحر المحيط، لبدر الدين الزركشي، الناشر: دار الكتبي بمصر.

4 - بلوغ السول في مدخل علم الأصول، للشيخ محمد حسنين محلوف، مطبعة مصطفى الحلبي.

5 - تاج العروس من جواهر القاموس، للمرتضى الزبيدي، من طباعة التراث العربي سلسلة تصدرها وزارة الإعلام في الكويت، تحقيق/ عبد الستار أحمد فراج، 1391هـ- 1971م.

6 - التقرير والتحبير، لابن أمير حاج، دار الكتب العلمية.

7 - جامع الترمذي، ط: دار إحياء التراث العربي – بيروت. تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون.

8 - رد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين)، للإمام محمد أمين عابدين، الناشر: دار إحياء التراث العربي (بيروت)، الطبعة الثانية 1407هـ= 1987م.

9 - روضة الطالبين وعمدة المفتين، للإمام محيي الدين النووي، الناشر: المكتب الإسلامي (بيروت)، الطبعة الثانية، 1405هـ.

10 - سنن ابن ماجه، ط: دار الفكر – بيروت. تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي.

11 - سنن أبي داود، ط: دار الفكر. تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد. مع تعليقات كَمَال يوسُفْ الحوُت.

12 - شرح الإمام جلال الدين المحلي على جمع الجوامع -مع حاشية الشيخ حسن العطار-، الناشر: دار الكتب العلمية.

13 - اللامذهبية أخطر بدعة تهدد الشريعة الإسلامية، للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، الناشر: مكتبة الفارابي (دمشق - سوريا).

14 - مقالات وفتاوى الشيخ يوسف الدجوي، من مطبوعات مجمع البحوث الإسلامية، طبع سنة 1402هـ= 1982م.

15 - مقدمة المجموع، للإمام محيي الدين النووي، المطبعة المنيرية.

16 - الموافقات، لأبي إسحاق الشاطبي، الناشر: دار المعرفة – بيروت، تحقيق: عبد الله دراز.

17 - الموجز في أصول الفقه، لمجموعة من العلماء، الناشر: الإيمان للطباعة، الطبعة الثانية- 1384هـ= 1965م.


([1]) انظر: تاج العروس 9/ 64 مادة: (ق ل د)، البحر المحيط للإمام الزركشي 8/ 316.

([2]) بلوغ السول في مدخل علم الأصول ص 25، الموجز في أصول الفقه ص 295، وانظر: التقرير والتحبير 3/ 340 - 341.

([3]) انظر: بلوغ السول ص 23 بتصرف.

([4]) بلوغ السول في مدخل علم الأصول ص 26.

([5]) بلوغ السول في مدخل علم الأصول ص 15.
([6]) الموافقات للشاطبي 4/ 292 - 293.

([7]) أصول الفقه للعلامة/ محمد أبي النور زهير 4/ 464، وتعليق الشيخ/ عبد الله دراز على الموافقات 4/ 292.

([8]) شرح المحلي على جمع الجوامع 2/ 441.

([9]) روضة الطالبين 11/ 117.

([10]) حاشية ابن عابدين 1/ 51.

([11]) انظر: أصول الفقه الإسلامي 2/ 1137 - 1139، واللامذهبية أخطر بدعة تهدد الشريعة الإسلامية لفضيلة الدكتور/ محمد سعيد البوطي ص 37 - 38 بتصرف.

([12]) انظر: مقالات وفتاوى للشيخ/ يوسف الدجوي 2/ 581.
([13]) فوائد في علوم الفقه ص30.
([14]) انظر: فوائد في علوم الفقه للكيرانوي ص 33 و66.
([15]) رواه أبو داود في سننه (2369) كتاب الصوم-باب في الصائم يحتجم، والترمذي (774) كتاب الصوم-باب كراهية الحجامة للصائم، وابن ماجه (1679) كتاب الصيام-باب ما جاء في الحجامة للصائم.
([16]) مقدمة المجموع 1/ 105.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير