فأنا الصغيرُ، فَقَدْتُ كُلَّ وسائلي
وَشَرَعْتُ بالعَوْدِ الأخير إلى منّى
أو من أراد ثلاثة يَبْقَى بها
جاء الفُراقُ لأرضِ مَكَّةَ بعد ما
فذهبتُ للبيت العتيق مُوَدِّعًا
وانْهَلَّ من تلك العيونِ سحائبٌ
فوضعت كفي فوق أحجارٍ بَدَتْ
يا بيتُ، هل هَذي نهايةُ عهدِنا؟
طَوَّفْتُه بالدمع سبعًا داعيًا
تلك المناسكُ قد جمعتُ صحيحها
* * *
وشددتُ رحلي للمدينة زائرًا
وهنا المُهَاجَرُ والمُقَامُ وروضةٌ
وهنا تربى خيرُ قرنٍ قد أتى
مَنْ كَرَّمَ الوحيُ الكريمُ خِصالَهم
ودخلتُ من باب السلام مُسَلِّمًا
ووجدتُ عمري قد توقف ها هنا
فأنا هنا وأمام قبر محمد!!
ونسيت نفسك يا ظلوم وجئته
والله لولا قوله {لا تقنطوا}
والله لولا أن ربي ساترٌ
وتتابعت لغةُ الدموعِ سخيةً
وخرجتُ من هذا المكان يلُفُّني
فأنا الذى قد جئتُ أحمل عثرتي
وطرقتُ بابًا ليس يطرد تائبًا
يا ربُّ، هذي دمعةٌ من مذنبٍ
وأتاك يخشى أن ترد رجاءه
والظن فيك بأن عفوكَ لاحقي
فطمعتُ فيك، وجئتُ بابك ضارعًا
وختمتُ قولي بالصلاة على الذي
يا ربُّ، قد زِنْتَ الختامَ ببعثه
وأتيتُ فيهم كي أعودَ مُطَهَّرا
ذنبي عظيمٌ قد يَنُوءُ به الورى
مُتضرعًا والعيبُ مني قد جرى
هَذِيْ صحيفةُ مَنْ تَجَنَّى وافترى
ولبستُ ثوبَ الفقرِ أشعثَ أغبرَا
علمٌ ولا عملً ولا ما أذْكُرا
وبُكل هذا الدمعِ يجري أَنْهُرا
مِنْ عائبٍ قد عابَ ثم استغفرا
لِيُقَبِّلَ الحجرَ العتيقَ الأَنْورا
وكتبتُ في سِفر المحبة أسْطُرا
فمعي ذنوبُ المشرقين وما ورا
وإذا مشيتُ. فَمَنْ سِوايَ مُقَصِّرا
غيرَ الذي كتب الملاكُ وسَطَّرا
عند المقام، مُسَبِّحًا ومُكَبِّرا
واسْتُرْ على عبدٍ رجاك لِتَسْتُرا
بالأمس عاش على الخطيئةِ وامترا
يرجو من الرحمان عفوًا ظاهرا
والرَّحلُ فيه من المعاصي ما ترى
فإذا ذنوبي تعتليه وأكثرا
والكل يَسعى ضاحكًا مُسْتَبْشِرا
ودعوتُ مَنْ جعل الكتابَ بَصَائرا
أن يستر الذنبَ العظيمَ ويغفرا
هذي الجبالُ، وتلك سُنَّةَ مَنْ سَرَى
قد جاءكم بالنورِ حتى أزهرا
حتى الشروق لكي تَهُبَّ مُغَادِرا
واجمعْ من العرفاتِ خيرًا وافرا
واحْلُلْ على وادٍ رآه وعَاصَرا
حَجَّتْ مع المختارِ نُورًا أنورا
أَسَمِعْتَ مَنْ رُزِقَ البَيَانَ فَعَبَّرَا
(قالوا: نعم)، والدِّينُ أصبحَ ظَاهرا
أرأيتَ و (القَصْواءُ) كانت مِنْبَرا
جَمْعًا مع التقديمِ هَدْيًا خَيِّرا
قد جاء بالدين القويم مُيَسِّرا
من خالفَ المختارَ يُحْشَرُ كَافِرا
من عاشقٍ لكَ في هواه تَحَيَّرَا
والله يَقْبَلُ مَنْ يشاء وينصرا
وَلْتَشْهَدِ الأحجارُ عندك والثَّرَى
واسأل جبالاً، تَسْتَجِيبُ وتُخْبِرا
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ}، فَأَكْمَلَ مَنْ بَرَا
فَأَقَرَّتِ الإسلامَ دِينًا آخِرَا
وانظر، فقد صار الكمالُ مُبَعْثَرا
والكل أصبح تائهًا أو حائرا
وتصدَّر الجهلُ الحياةَ وفسَّرا
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ}، وجئتُ مُقَرِّرا
حَمَلَ الرسالةَ مُنذرًا ومُبَشرا
مِنْ كُلِّ نِدٍّ للعبادِ مُزَوَّرَا
واجعله في عِلْمِ الشريعة مُبْصِرا
فاقْبَلْ، ولا تُرْجِعْ عُبَيْدَك خَاسِرا
واستر عليهم يا حليم وَكَثِّرَا
ساعَاتُه والقلبُ فيكَ مُصَوَّرا
بعد الغروبِ لكي أعود القهقرى
وِدْيَان جَمْعٍ للصلاة مع الكَرى
والفجرَ قد أداه فيها مُبْكِرا
جاء الكسيرُ إلى العزيز لِيَجْبُرا
ولِسانُ حالي قد أبان وعَبَّرا
{فَإِذَا أَفَضْتُمْ} والهدايةَ أَشْكُرا
قد حان قبل شُروقها أن تظهرا
هيا إليها بادئًا ومُكَرِّرا
ورفعتُ بالتكبير صوتًا هَادِرا
في وجه ذنبي كي أعود مُحَرَّرا
الله أكبر والذنوبَ على الثرى
مِنْ خِزْي يومٍ خاب فيه مَنِ افترى
بكتابِ ربِّي هاديًا ومُقَدِّرا
قَلَّتْ. وَقَلَّ البيعُ، قَلَّ المُشْتَرَى
قد جاء بيتكَ، هل سيرجع أفقرا
تالله لا تسأل سواه مُفَسِّرا
لا حرج فيما قَدَّمُوا أو أُخِّرا
فأنا المُتَيَّمُ مُقْبِلاً أو مُدْبِرا
وملأت عيني منه حتى أُبْصِرا
فَغَسَلْتُ كُلِّي منه طيبًا عَنْبَرا
متذللاً. متضرعًا. مُستغفرا
قد جاء تنزيلُ الهداية آمرا
فغسلتُ نفسي حامدًا أو شَاكرا
وختمتُ بالمرو العتيق شعائرا
فاسْتُرْ عُبَيْدك بالهدايةِ إذْ عَرَى
واجعل له من فيض جودك ناصرا
ولقد هفوتُ وجئتُ بابك صاغِرا
لا حَرَج في يومين تَبْقَى ذاكرا
فكتابُ ربِّك قد أجاز وخيَّرا
كان اللقاءُ على القلوب مُؤَثِّرا
فَاثَّاقَلَتْ رجلاي أَنَّى أَهْجُرا
بالجمرِ يغلي هائجًا أو فائرا
للبيتِ. هل يا بيتُ أَرْجِعُ زَائِرا
يا بيتُ وَدِّعَ بالسلامِ مُسَافِرا
عَوْدًا من الرحمان برًّا طاهرا
واسأل كتاب الحج، واسأل جابرا
* * *
فهناك مَسجده (1) أقام وعَمَّرَا
وهنا مشى، وهنا أقام المنبرا
وهنا خيارُ الناس كانوا، والقِرى
في {يُؤْثِرُونَ}، ومَنْ سواهم آثِرا
ومشيتُ في وسط الزحام مُخاطرا
وتحولت طرفاتُ عينيَ أَشْهُرا
أين الحياء ومن أتى بك يا تُرى
هذا أمامك من أتاك وحذرا
لرجعت من فرط الحياء تأثرا
لفررت من هذا المكان مغادرا
فهنا البكاءُ هو الكلامُ مُعَبرا
ثوبُ الحياء مُدَاريُا ومُدَثِّرا
وأتيتُ للحرمين أشعثَ حاسرا
ورجوتُ ربًا لم يُقَنِّط فاجِرا
تَعِبَتْ قواه فصار وهنًا خائرا
وأبان في تلك السطور مشاعرا
ولذا أتيتُ لكي أعود مطهرا
متضرعًا والعيبُ مني قد جرى
مَنْ زانه الرحمانُ لما صَوَّرا
فاجعل لي الإسلامَ ختمًا آخرا
(1) عند الذهاب إلى المدينة يقصد المسلم شد الرحال إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وليس إلى القبر، حتى لا يقع في أعمال الشرك، والعياذ برب الفلق.
ووجدت عمري قد توقف ها هنا
فأنا هنا وأمام قبر محمد!!
ونسيت نفسك يا ظلوم وجئته
والله لولا قوله {لا تقنطوا}
والله لولا أن ربي ساترٌ
وتتابعت لغة الدموع سخية
وتحولت طرفات عيني أشهرا
أين الحياء ومن أتى بك يا تُرى
هذا أمامك من أتاك وحذرا
لرجعت من فرط الحياء تأثرا
لفررت من هذا المكان مغادرا
فهنا الدموع هي الكلام معبرا
¥