يا وحشتي، لا شيءَ أحمِلُه معي ... غيرَ الذي كتب الملاكُ وسَطَّرا
يا ربُّ، إني قد أتيتكُ راكعًا ... عند المقام، مُسَبِّحًا ومُكَبِّرا
فاغفر ذنوبًا لا يضُرُّك حَجْمُها ... واسْتُرْ على عبدٍ رجاك لِتَسْتُرا
يا ماءَ زمزم، هل ستغسِلُ عاصيًا ... بالأمس عاش على الخطيئةِ وامترا
واليومَ قد جاء الكريمَ بذنبه ... يرجو من الرحمان عفوًا ظاهرا
وأنختُ رحلي عند أحجار الصفا ... والرَّحلُ فيه من المعاصي ما ترى
وهناك ألقيتُ الذنوبَ على الحصى ... فإذا ذنوبي تعتليه وأكثرا
فسعيتُ نحو الْمَرْوِ أبكي حالتي ... والكل يَسعى ضاحكًا مُسْتَبْشِرا
ورملتُ في بطن المسيل تأسيًا ... ودعوتُ مَنْ جعل الكتابَ بَصَائرا
فقضيتُ سبعًا، والرجاءُ بخالقي ... أن يستر الذنبَ العظيمَ ويغفرا
يا راحلين إلى منًى. هذي منى ... هذي الجبالُ، وتلك سُنَّةَ مَنْ سَرَى
صَلُّوا بها خمسًا كما فعل الذي ... قد جاءكم بالنورِ حتى أزهرا
فإذا قضيتَ الفجرَ فيها فانتظر ... حتى الشروق لكي تَهُبَّ مُغَادِرا
وازحفْ مع الجمع العظيم ملبيًا ... واجمعْ من العرفاتِ خيرًا وافرا
وانزلْ بأرضٍ دَبَّ فيها المصطفى ... واحْلُلْ على وادٍ رآه وعَاصَرا
واسألْ صُخُورًا ها هنا عن رِفْقَةٍ ... حَجَّتْ مع المختارِ نُورًا أنورا
يا صَخْرَ نَمِرَةَ هل سَمِعْتَ خِطَابَهُ؟ ... أَسَمِعْتَ مَنْ رُزِقَ البَيَانَ فَعَبَّرَا
أَسَمِعْتَ: (هَلْ بَلَّغْتُ؟) تُسْأَلُ أُمَّةٌ ... (قالوا: نعم)، والدِّينُ أصبحَ ظَاهرا
أَسَمِعْتَ (اللهم فاشهد) حُجَّةً ... أرأيتَ و (القَصْواءُ) كانت مِنْبَرا
وأقامَ مبعوثُ السماءِ صلاَتَهُ ... جَمْعًا مع التقديمِ هَدْيًا خَيِّرا
هذا الحبيبُ أَحِبَّتِي مِن أجلنا ... قد جاء بالدين القويم مُيَسِّرا
فاتْبَعْ هُدَاهُ تَفُزْ بِخَيرِ شَفاعةٍ ... من خالفَ المختارَ يُحْشَرُ كَافِرا
عرفاتُ يا جبلَ الدعاء تحيةً ... من عاشقٍ لكَ في هواه تَحَيَّرَا
قد جاء يدعو ربَّهُ في ذِلَّةٍ ... والله يَقْبَلُ مَنْ يشاء وينصرا
يهواك، يشهدُ دَمْعُه وأنينُه ... وَلْتَشْهَدِ الأحجارُ عندك والثَّرَى
قِفْ ها هنا، واسترجع الذكرى معي ... واسأل جبالاً، تَسْتَجِيبُ وتُخْبِرا
قِفْ، ها هنا نزل الختامُ، فَمِسْكُهُ ... {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ}، فَأَكْمَلَ مَنْ بَرَا
واقرَأْ: {وَأَتْمَمْتُ}، فقد نَزَلَتْ هُنا ... فَأَقَرَّتِ الإسلامَ دِينًا آخِرَا
واقرَأْ: {رَضِيتُ} وقد تَبَاعَدَ عهْدُها ... وانظر، فقد صار الكمالُ مُبَعْثَرا
وتَفَرَّقُوا. وتَمَذْهَبُوا. وتَشَرْذَمُوا ... والكل أصبح تائهًا أو حائرا
فتحول الإفكُ المبينُ إلى هدًى ... وتصدَّر الجهلُ الحياةَ وفسَّرا
عرفاتُ، قد نسي الجميعُ ختَامَهم ... {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ}، وجئتُ مُقَرِّرا
أن الرسولَ هو الإمامُ لِمَنْ نَجَا ... حَمَلَ الرسالةَ مُنذرًا ومُبَشرا
يا ربُّ، إني قد أتيتكُ بارئًا ... مِنْ كُلِّ نِدٍّ للعبادِ مُزَوَّرَا
فارحم عُبَيْدك يا رحيمُ برحمةٍ ... واجعله في عِلْمِ الشريعة مُبْصِرا
يا ربُّ، إني قد رفعتُ يدي هنا ... فاقْبَلْ، ولا تُرْجِعْ عُبَيْدَك خَاسِرا
واغفر لإخواني جميعًا ذنبَهم ... واستر عليهم يا حليم وَكَثِّرَا
عرفاتُ، قد حان الوداعُ وقارَبَتْ ... ساعَاتُه والقلبُ فيكَ مُصَوَّرا
قد شاء ربُّ العالمين فراقَنا ... بعد الغروبِ لكي أعود القهقرى
وشددتُ رحلي نحو جَمْعٍ قاصدًا ... وِدْيَان جَمْعٍ للصلاة مع الكَرى
جمع النبيُّ بها الصلاةَ جماعةً ... والفجرَ قد أداه فيها مُبْكِرا
يا جَمْعُ، قد فاضت دموعي حسرةً ... جاء الكسيرُ إلى العزيز لِيَجْبُرا
فأتيتُ مَشْعَرَها ألوذ بناصري ... ولِسانُ حالي قد أبان وعَبَّرا
فذكرتُ ربي عنده متمثلاً: ... {فَإِذَا أَفَضْتُمْ} والهدايةَ أَشْكُرا
ثم انتهينا والرحيلُ إلى منًى ... قد حان قبل شُروقها أن تظهرا
يا راحلين إلى منًى، هيا بنا ... هيا إليها بادئًا ومُكَرِّرا
فقصدتُ جمرتَها لأرمي سَبْعها ... ورفعتُ بالتكبير صوتًا هَادِرا
الله أكبر عند كل قذيفةٍ ... في وجه ذنبي كي أعود مُحَرَّرا
الله أكبر قد رميتُ خطيئتي ... الله أكبر والذنوبَ على الثرى
¥