الله أكبر نَجِّنِي يا خالقي ... مِنْ خِزْي يومٍ خاب فيه مَنِ افترى
ومضيتُ أذبح ما تيسر مُقْتَدٍ ... بكتابِ ربِّي هاديًا ومُقَدِّرا
يا ربُّ، هَذِي من عُبَيدك فِدْيَةٌ ... قَلَّتْ. وَقَلَّ البيعُ، قَلَّ المُشْتَرَى
فاقبل من العبد الفقير سؤاله ... قد جاء بيتكَ، هل سيرجع أفقرا
وحلقتُ بعد الذبح مقتديًا به ... تالله لا تسأل سواه مُفَسِّرا
فاليومَ يَسَّرَ للحجيج أمورَهُم ... لا حرج فيما قَدَّمُوا أو أُخِّرا
ورجعتُ نحو البيتِ يسبقني فمي ... فأنا المُتَيَّمُ مُقْبِلاً أو مُدْبِرا
واسأل دهورًا كم عَشِقْتُ خيالَه ... وملأت عيني منه حتى أُبْصِرا
وشربت كأسًا من هواه تيمنًا ... فَغَسَلْتُ كُلِّي منه طيبًا عَنْبَرا
فبدأت أسعى بالإفاضة طائفًا ... متذللاً. متضرعًا. مُستغفرا
ئم اتخذتُ من المقام صلاتَه ... قد جاء تنزيلُ الهداية آمرا
وشربتُ من ماء السقاية زمزمًا ... فغسلتُ نفسي حامدًا أو شَاكرا
ثم اتجهتُ إلى الصفا بدءًا به ... وختمتُ بالمرو العتيق شعائرا
يا ربُّ، عند المَرْوِ أَختم حَجَّتي ... فاسْتُرْ عُبَيْدك بالهدايةِ إذْ عَرَى
واختم له بالحق عند مماته ... واجعل له من فيض جودك ناصرا
فأنا الصغيرُ، فَقَدْتُ كُلَّ وسائلي ... ولقد هفوتُ وجئتُ بابك صاغِرا
وَشَرَعْتُ بالعَوْدِ الأخير إلى منّى ... لا حَرَج في يومين تَبْقَى ذاكرا
أو من أراد ثلاثة يَبْقَى بها ... فكتابُ ربِّك قد أجاز وخيَّرا
جاء الفُراقُ لأرضِ مَكَّةَ بعد ما ... كان اللقاءُ على القلوب مُؤَثِّرا
فذهبتُ للبيت العتيق مُوَدِّعًا ... فَاثَّاقَلَتْ رجلاي أَنَّى أَهْجُرا
وانْهَلَّ من تلك العيونِ سحائبٌ ... بالجمرِ يغلي هائجًا أو فائرا
فوضعت كفي فوق أحجارٍ بَدَتْ ... للبيتِ. هل يا بيتُ أَرْجِعُ زَائِرا
يا بيتُ، هل هَذي نهايةُ عهدِنا؟ ... يا بيتُ وَدِّعَ بالسلامِ مُسَافِرا
طَوَّفْتُه بالدمع سبعًا داعيًا ... عَوْدًا من الرحمان برًّا طاهرا
تلك المناسكُ قد جمعتُ صحيحها ... واسأل كتاب الحج، واسأل جابرا
* * *
وشددتُ رحلي للمدينة زائرًا ... فهناك مَسجده (1) أقام وعَمَّرَا
وهنا المُهَاجَرُ والمُقَامُ وروضةٌ ... وهنا مشى، وهنا أقام المنبرا
وهنا تربى خيرُ قرنٍ قد أتى ... وهنا خيارُ الناس كانوا، والقِرى
مَنْ كَرَّمَ الوحيُ الكريمُ خِصالَهم ... في {يُؤْثِرُونَ}، ومَنْ سواهم آثِرا
ودخلتُ من باب السلام مُسَلِّمًا ... ومشيتُ في وسط الزحام مُخاطرا
ووجدتُ عمري قد توقف ها هنا ... وتحولت طرفاتُ عينيَ أَشْهُرا
فأنا هنا وأمام قبر محمد!! ... أين الحياء ومن أتى بك يا تُرى
ونسيت نفسك يا ظلوم وجئته ... هذا أمامك من أتاك وحذرا
والله لولا قوله {لا تقنطوا} ... لرجعت من فرط الحياء تأثرا
والله لولا أن ربي ساترٌ ... لفررت من هذا المكان مغادرا
وتتابعت لغةُ الدموعِ سخيةً ... فهنا البكاءُ هو الكلامُ مُعَبرا
وخرجتُ من هذا المكان يلُفُّني ... ثوبُ الحياء مُدَاريُا ومُدَثِّرا
فأنا الذى قد جئتُ أحمل عثرتي ... وأتيتُ للحرمين أشعثَ حاسرا
وطرقتُ بابًا ليس يطرد تائبًا ... ورجوتُ ربًا لم يُقَنِّط فاجِرا
يا ربُّ، هذي دمعةٌ من مذنبٍ ... تَعِبَتْ قواه فصار وهنًا خائرا
وأتاك يخشى أن ترد رجاءه ... وأبان في تلك السطور مشاعرا
والظن فيك بأن عفوكَ لاحقي ... ولذا أتيتُ لكي أعود مطهرا
فطمعتُ فيك، وجئتُ بابك ضارعًا ... متضرعًا والعيبُ مني قد جرى
وختمتُ قولي بالصلاة على الذي ... مَنْ زانه الرحمانُ لما صَوَّرا
يا ربُّ، قد زِنْتَ الختامَ ببعثه ... فاجعل لي الإسلامَ ختمًا آخرا
* * *