تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[أثر الفصاحة والبيان]

ـ[أبو زارع المدني]ــــــــ[23 - 05 - 08, 05:13 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين , الرحمن الرحيم , مالك يوم الدين

اللهم صلّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

وصف بعضُ البلغاء اللسانَ فقال:

"اللسان أداة يظهر بها حسن البيان، وظاهر يخبر به عن ضمير، وشاهد ينبئك عن غائب، وحاكم يفصل به الخطاب، وناطق يُردُّ به الجواب، وشافع تدرك به الحاجة، وواصف تعرف به الحقائق، ومُعَزٍّ ينفى به الحزن، ومؤنس تذهب به الوحشة، وواعظ ينهى عن القبيح، ومزيّن يدعو إلى الحسن، وزارع يحرث المودة، وحاصدٌ يستأصل الضغينة، ومُلهٍ يونق به الأسماع".

فاللسان وسيلة يتوسل بها الإنسان لبلوغ كل حاجاته ويحقق بها كل أمانيه ورغباته، وكلما استطاع المرء أن يصقل من لسانه ويسمو في بيانه، كان أقدرَ على تحقيق أهدافه وبلوغ آماله، واجتياز العوائق التي قد يصادفها، واجتناب المآزق التي قد يقع فيها.

قال هشام بن عبد الملك: إن الله رفع درجة اللسان فأنطقه بين الجوارح.

وقال علي بن عبدة: إنما يبين عن الإنسان اللسان، وعن المودة العينان.

وقال آخر: الرجل مخبوء تحت لسانه.

وقالوا: المرء بأصغريه قلبه ولسانه.

وقال الشاعر:

ومَا المرءُ إِلاَّ الأَصغَرانِ: لِسانُهُ ومَعقولُهُ، والجسمُ خَلْقٌ مُصوَّرُ

فإنْ طُرَّةٌ راقتكَ يومًا فرُبّما يمرُّ مَذاقُ العودِ والعُودُ أخضَرُ

وكثيراً ما يكون اللسانُ سبباً في رفع صاحبه وسموّه أو في وضعه وذلِّه. قال يحيى بن خالد: "ما رأيت رجلاً قط إلا هبتُه حتى يتكلم، فإن كان فصيحاً عظم في صدري، وإن قصر سقط من عيني".

وقيل: تكلّموا تُعرفوا.

وقد يصغر المرء في عيون مَن حولَهُ لصغرٍ في سنه، أو نحولٍ في جسمه، أو زراية في مظهره، أو دمامةٍ في وجهه، فما يعلو به غير لسانه، وما يُكبره في عيونهم غير بيانه.

روى الجاحظ أن معاوية -رضي الله عنه- نظر إلى النخّار بن أوس العُذري، الخطيب الناسب، في عباءة في ناحية من مجلسه، فأنكره وأنكر مكانه زِرايةً منه عليه، فقال: من هذا؟ فقال النخّار: يا أمير المؤمنين، إن العباءة لا تكلمك، وإنما يكلمك من فيها!

قال: ونظر النعمان بن المنذر إلى ضَمرة بن ضَمرة، فلما رأى دمامته وقلَّته قال: "تسمع بالمُعَيْدِيِّ لا أن تراه" هكذا تقوله العرب، فقال ضمرة: "أبيتَ اللعن، إن الرجال لا تُكال بالقُفزان، ولا توزن بالميزان، وليست بمُسوك يُستقى بها، وإنما المرء بأصغريه: بقلبه ولسانه، إن صال صال بجَنان، وإن قال قال ببيان".

وقد بلغ من تقدير العرب للسان والبيان أن عدُّوه معادلاً لنور العيون، قال ابن عباس بعدما ذهب نور بصره:

إنْ يأخذِ اللهُ من عينيَّ نورهما ففي لساني وقلبي منهُما نورُ

قلبي ذكيٌّ وعقلي غَيرُ ذي دَخَلٍ وفي فمي صارمٌ كالسيف مأثورُ

ولا غَروَ، فباللسان يجول المرءُ ويَصول، ويبلغ ما لا يبلغه بحواسّهِ الأُخرى، فإذا كان اللسان فصيحاً طليقاً، كان أعونَ على الإبانة، وأرجَى لتحقيق المآرب، قيل لدَغفَل: أنى لك هذا العلم؟ قال: لسانٌ سَؤول، وقلبٌ عَقول [1] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2719#_ftn1).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت رضي الله عنه: ما بقي من لسانك؟ فضرب به أرنبته وقال: والله لو وضعته على شعر لحلقه، أو على حجر لفلقه!

وهكذا كان حسان بن ثابت -رضي الله عنه- شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم بل شاعر الدعوة الإسلامية، ولسان حالها، والمنافح عنها، والذائد عن حياضها، بلسانه وفصاحته وبيانه وطلاقته.

والأذن ما تطرب لشيء طربَها للسان فصيح وبيان مليح، ألم يقل بشار بن برد:

يا قوم أُذْني لبعض الحيِّ عاشقةٌ والأذنُ تعشقُ قبلَ العينِ أحيانا؟!

بل إن أثر اللسان ليجتاز الأذن ويصل إلى صميم القلوب والضمائر.

إذا ما صافحَ الأسماعَ يوماً تبسّمَتِ الضمائرُ والقلوبُ

ويقول الحصري القيرواني في زهر الآداب: "والكلام الجيد الطبع، مقبول في السمع، قريب المثال، بعيد المنال، أنيق الديباجة، رقيق الزجاجة، يدنو من فهم سامعه، كدنوّه من وهم صانعه".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير