ب - ثمرة هذا العلم: هى أيضًا من جهة تحمُّل اللغة بفهم معاني الكلام البليغ كنصوص الكتاب والسنة على أكمل وجه، ومن جهة أداء اللغة: بأن يركِّب المتكلم كلامه بما يؤدي المعنى المراد على أكمل وجه.
وقال ابن خلدون – رحمه الله تعالى – في " المقدمة " صـ 552 - 553:
" إن ثمرة هذا الفن - أي علم البيان - إنما هى في فهم الإعجاز من القرآن، لأن إعجازه في وفاء الدلالة منه بجميع مقتضيات الأحوال منطوقه ومفهومه وهى أعلى مراتب الكلام مع الكمال فيما يختص بالألفاظ في انتقائها وجودة رصفها وتركيبها، وهذا هو الإعجاز الذي تقصر الأفهام عن إدراكه، وإنما يدركُ بعض الشئ منه من كان له ذوق بمخالطة اللسان العربي وحصول ملكته فيدرك من إعجازه على قدر ذوقه- إلى قوله - وأحوج مايكون إلى هذا الفن المفسرون، وأكثر تفاسير المتقدمين غُفُلٌُ عنه - حتى - ظهر جار الله الزمخشري ووضع كتابه في التفسير وتتبع آي القرآن بأحكام هذا الفن بما يُبدي البعض من إعجازه، فانفرد بهذا الفصل على جميع التفاسير لولا أنه يؤيد عقائد أهل البدع " اهـ.
والبدع التي نصرها الزمخشري في تفسيره (الكشّاف) هى آراء المعتزلة، وقال الشيخ سراج الدين البلقيني 805 هـ - وهو من شيوخ الحافظ ابن حجر – قال: إنه استخرج الاعتزال من الكشاف بالمناقيش.
جـ - تدوين علم البيان:
تميزت علوم البلاغة إلى ثلاثة، وهى المعاني والبيان والبديع، ولكل علم موضوعه ومسائله.
فعلم المعاني موضوعه الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى الذي يريد المتكلم إيصاله إلى ذهن السامع، وعلم البيان موضوعه الاحتراز عن التعقيد المعنوي أي عن أن يكون الكلام غير واضح الدلالة على المعنى المراد، وعلم البديع المراد به تحسين الكلام بالمحسنات المعنوية واللفظية، وهو تابع للعلمين السابقين إذ بهما يُعرف التحسين الذاتي، وبه يعرف التحسين العرضِي.
وقد بدأت الكتابة في هذه العلوم دون تمييز بينها ودون تحرير لمسائلها ومن أقدم مابلغنا من هذه الكتابات: كتاب (البيان والتبيين) للجاحظ (أبو عثمان عمرو بن بحر) 255 هـ، وكتاب (الصناعتين) لأبي هلال الحسن بن عبد الله العسكري 395 هـ.
وأول من ميّز مسائل هذه العلوم هو عبد القاهر الجرجاني 471 هـ، وله في ذلك (كتاب دلائل الإعجاز) في علم المعاني، وكتاب (أسرار البلاغة) في علم البيان، إلا أنه لم يستوف مسائل هذه العلوم.
حتى جاء أبو يعقوب يوسف السَّكَّاكي 626هـ، فاستكمل مسائل هذا الفن وهذّبها ورتب أبوابه، وذلك في كتابه (مفتاح العلوم) وهو يشتمل على ثلاثة أقسام للصرف والنحو والبلاغة.
وصار (المفتاح) أساسًا لكل ما كتب بعده في علم البلاغة، وقد لخص جلال الدين القزويني 739هـ القسم الثالث من المفتاح الخاص بالبلاغة في كتابه (تلخيص المفتاح) ثم شرحه في كتابه (الإيضاح شرح التلخيص)، واعتمد القزويني في شرحه (الإيضاح) على كلام السكاكي في (مفتاح العلوم) وانتقده واستدرك عليه كما اعتمد على كلام عبدالقاهر الجرجاني في كتابيه (دلائل الإعجاز) و (أسرار البلاغة)، وكل هذه الكتب مطبوعة.
وتعتبر كتب عبدالقاهر الجرجاني والسكاكي والقزويني أمهات كتب هذا العلم، ومن كتب المعاصرين:
(شرح التلخيص في علوم البلاغة) لمحمد هاشم دويدري، شرح (تلخيص المفتاح) للقزويني.
و (بغية الايضاح لتلخيص المفتاح) لعبد المتعال الصعيدي، شرح (الإيضاح) للقزويني، و (جواهر البلاغة) للسيد أحمد الهاشمي، وسار فيه على نمط (الإيضاح) في الترتيب مع مزيد من التفصيل وضرب الأمثلة، و (البلاغة الواضحة) لعلي الجارم ومصطفى أمين، وجميع الكتب المذكورة في علم البيان مطبوعة.
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[10 - 06 - 08, 09:28 م]ـ
الرابع: علم الأدب:
مع دخول الفساد على اللسان العربي وَضَع علماء اللغة العلوم السابقة كقوانين للغة العرب يُقاس عليها الكلام ليُعلم موافقته للغة العرب من عدمه.
وقد وجد العلماء أن مجرد علم الإنسان بقوانين اللسان العربي لايُمكِّنُهُ من التكلم بكلام العرب الصحيح ما لم يخالطهم ويتلقى هذا عنهم بالسماع على التدرج حتى تحصل له هذه المَلكة.
¥