تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ما ظلَّ مذ وجفت في كلِّ ظاهرةٍ ... بالأشعثِ الوَرْدِ إلا وهْو مهمومُ

وقال المرّار الفقعسيّ:

فإنّ الصبا رِيحٌ إذا ما تنسَّمتْ ... على نفْسِ مهمومٍ تجلتْ همومُها

وأما (همّه) بالمعنى الثاني، فقد أنكرَ السَّماعَ فيهِ بعضُ المتأخّرينَ، ولم تُثبِته المعاجمُ. والصوابُ أنه ثابتٌ في كلامِ مَن يُحتَجُّ بهِ؛ قالَ تأبّط شرًّا:

قليلُ غِرارِ النّوم، أكبرُ هَمِّهِ ... دمُ الثأرِ أو يلقى كميًّا مُقَنّعا

وقالَ حاتم الطائيّ:

لحى الله صعلوكًا مناه وهمُّه ... من العيش أن يّلقَى لبوسًا ومطعما

وقالَ طرَفة بن العبد:

ولا تجعليني كامرئ ليس همُّه ... كهمّي، ولا يغني غَنائي ومشهدي

وقالَ الأخطلُ:

والنَّاسُ همُّهمُ الحياةُ، ولا أرى ... طولَ الحياةِ يَزيدُ غيرَ خبالِ

ووجهُ الاستدلالِ أنَّ المرادَ بالهمِّ في ما سلفَ (ما يعني صاحبَه، ويَُكرِثُه). ولمَّا كانَ (الهمُّ) فعلُه لا يكونُ إلا ثلاثيًّا، ثبتَ بهذا (همَّه يهُمّه). فإن قيلَ: ولِمَ لا يكونُ من بابِ (أحبَّ)؛ فإنهم قالُوا (أحبَّه حُبًّا؛ فهو محبوب). قلت: إنَّ هذا لا يُسلَّمُ؛ فإنهم قالوا أيضًا: (مُحَبّ)؛ ومنه قولُ عنترةَ:

ولقد نزلتِ - فلا تظني غيرَهُ - ... مني بمنزلةِ المُحَبِّ المُكرَمِ

وحكى الفراءُ (حبَبْتُه أحِبُّه) ([6] ( http://www.ahlalloghah.com/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn6)) . ثمّ لو سُلِّمَ ذلك، لم يكن ليصِحّ أن يُحملَ عليهِ إلا بسماعٍ صحيحٍ؛ فإن عُدِمَ السَّماعُ، لم يسُغْ لنا إلا أن نحملَ على الأكثرِ المطَّرِدِ.

أما (أهمّه) بالمعنى الأوّلِ، فمن شواهدِهِ قولُ أبي ذؤيبٍ الهُذليّ:

تقولُ له كفيتُك كلَّ شيءٍ ... أهمَّكَ ما تخطتني الحُتُوفُ

وقالَ أبو دهبلٍ الجُمحيُّ:

أخًا لي عليهِ ضامنٌ ما أهمَّني ... متى ما يُنلني اليومَ لا يعتللْ غدا

وقالَ أبو وَجزةَ السَّعديّ:

فتًى قد كفاني سَيبُه ما أهمّني ... ولي خِلتُ في أعقارِهِ مُتَندَّحُ

أمّا (أهمَّه) بالمعنى الثاني، فشاهدُه قول الله تعالى: http://www.ahlalloghah.com/images/up/01204cbc20.gif وطائفةٌ قد أهمَّتهم أنفسُهم http://www.ahlalloghah.com/images/up/2654672cb0.gif [ آل عمران: 154]. أي عَنَتهم، وكَرَثتْهم. ثمّ قالَ ابنُ المقفع: (لا عيبَ على الملكِ في تعيشهِ وتنعمهِ ولعبهِ ولهوهِ، إذا تعهد الجسيمَ من أمرهِ بنفسهِ،وأحْكَمَ المُهِمَّ)، وقالَ الجاحظُ: (ولنَقلِ الجنِّ الأخبارَ، علِمَ الناسُ بوفاةِ الملوكِ، والأمور المُهِمّةِ).

وهذا المعنَى الثاني لـ (هامّ)، و (مُهِمّ) لم يتمكنْ في كلامِ الأوائلِ تمكّنَ الأولِ، ولم يكثرْ كثرتَه؛ علَى أنه ثابتٌ كما بيّنّا.

وأما القياسُ، فأمرانِ: الاشتقاقُ، والمجازُ.

فأما الاشتقاقُ فعلى ضربينِ:

- الضربُ الأولُ: الاشتقاقُ المجرَّدُ:

ويحتملُ أن يّكون مشتقًّا من أحدِ أصلينِ:

الأصلُ الأوَّلُ: أن يَّكونَ مشتقًّا من قولِهم: (همَّ الشحمَ يهُمُّه هَمًّا)، إذا أذابَه. وله ثلاثةُ أوجهٍ من الاشتقاقِ:

الأول: أن يكونَ الوجهُ هو (المشابهةَ في الأثرِ المحدَثِ)، لأنَّ أثرَ الهمّ في الإنسانِ كأثرِ الإذابةِ للشحم؛ كلاهما يعملُ في إفناءِ متعلَّقِهِ. فلا يدخلُ في هذا إلا المعنَى الأوَّلُ بتصريفَيهِ، لأنّ الأمرَ الذي يُؤبَه له لا يَعملُ في إفناءِ متعلَّقِهِ.

الثاني: أن يكونَ الوجهُ هو (المشابهةَ في مقدار التأثيرِ)؛ فيدخلُ في هذا المعنيانِ معًا بتصريفَيهما، لأنَّهما جميعًا يُحدِثانِ أثرًا ظاهرًا في نفسِ الإنسانِ، سواءٌ كان سرورًا أم حزنًا.

الثالث: أن يكون الوجهُ هو (المسببية)، لأنّ الإذابةَ مسببٌ غالبًا لهذا العارِضِ الذي يعتري نفسَ الإنسانِ. ولذلك قالَ المتنبي - وكأنّه فطَِنَ لهذه العَلاقةِ الاشتقاقيةِ -:

والهمُّ يخترِمُ الجسيمَ نحافةً ... ويُشيبُ ناصيةَ الصبيِّ، ويُهرِمُ

ولا يدخُلُ في هذا إلا المعنى الأوَّلُ بتصريفَيهِ.

فإن قيلَ:

إنَّه ليسَ كلُّ همٍّ يذيبُ الجسمَ؛ فمِن الهمومٌ همومٌ لا يجاوزُ أثرُها القلبَ.

قلتُ:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير