تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال: "اعلم أنه ليس النظم إلا أن تضع الكلام الذي يقتضيه علم النحو وتعمل على قوانينه وأصوله وتعرف مناهجه التي نهجت فلا تزيغ عنها، فينظر في الخبر إلى الوجوه التي تراها في قولك زيد منطلق، وزيد ينطلق، وينطلق زيد ومنطلق زيد والمنطلق زيد وزيد هو المنطلق وينظر إلى التعريف والتنكير، والتقديم والتأخير والحذف والتكرار والإضمار والإظهار فيضع كلا من ذلك مكانه ويستعمله على الصحة وعلى ما ينبغي له" (9).

هذا وعلى أية حال؛ إن وضع النحو يحتاج إلى معالجة واعية ليس فيها على قدمائنا تطاول وليس فيها على المحدثين تهاون، فزماننا قد وهنت فيه الهمم وأشأم الناس وتيمن النحو وصار مدرسو النحو مع طلابهم كالمنكح الثريا سهيلاً، فالاستعداد في النفوس حادث ليبلغ أهل العربية العربية على وجه يرضى الله ويرضيهم، ويرفع عنهم كوالح المسائل وعويصاتها، ويوجد لهم المصطلحات ومنابعها ويحبذ لهم منهج المتذوقين، والمستبصرين الذي يجمعون المتفرّقات ويربأون عن الخلافات ويحسنون جمال القول في براعة التركيب وبلاغة الفصحى، ولا أحسبنا بمبتعدين عن الصواب إن جارينا قدماءنا في روحهم الوثابة في التعامل مع عصورهم فقد وجدناهم دومًا يشيرون إلى حال العصر الذي يعيشون ويتعاملون معه بواقعية مشهودة، فيصفون قصور الهمم وكثرة الشواغل كل هذه في زمانهم فماذا يكون الحال في عصرنا الذي صارت بضاعة العلوم فيه من حيث هي مزجاة أما النحو العربي فلا بواكي له.

وأما سدّ باب الاجتهاد على النحاة في أي عصر من العصور، فلا حجة في ذلك لا سيما بعد التطور البشري في وسائل المعرفة وفي إدراكنا لنعم الله على عباده، فقد يفتح الله لعالم بعد آخر من الأبواب مالم يتطرق إليه من المتقدمين أحد. ولا أظن الأمر يحتاج إلى عرك أذن أو عراك أبدان، وإنما الفكر والرؤية والتريث بعد النظر والاستعداد. فالخلاف الذي لا يقوم على عصبية مذهبية في النحو عند أبناء عصرنا لا يثير التخوف ولا يصد عن السبيل – فهم على استعداد حميد لقبول الرأي الآخر والرأي الموافق على وجه يجلى الغموض ويستبعد الحرفية المدلجة.

النحو والمناكفات

لم يطرح النحاة التثريب على بعضهم جانبًا وإنّما كانوا يتعمدون أحيانًا إثارة المسائل في المجامع وأمام الأمراء ويعقدون المجالس لإحراج بعضهم بعضًا تارة، ولإظهار البراعة تارة أخرى، وللوصول إلى المقاييس أو التصويب تارة ثالثة. ولعل الدارس للنحو يدرك تمامًا المناظرات المختلفة والمجالس التي عقدت ودار فيها مثل هذا العمل، كالصنيع الذي نجده بين أعلام النحو العربي إذا استعرضنا النحاة البارزين من أمثال سيبويه، ابن السراج، الكسائي، الفرّاء، الأخفش، المبرد، الزجاج، ثعلب، الزجاجي، السيرافي، ابن كيسان، ابن برهان، ابن جنّي، ابن الأنباري، الزمخشري، ابن مضاء، ابن خروف، الشلوبيني، ابن عصفور وابن الحاجب، وغيرهم من أعلام النحو. لوجدنا لأكثرهم لقاءات ومحاورات وردودًا على من تعاطى هذه الصنعة من أقرانهم ومعاصريهم أو على من سبقهم يمكننا أن نجد بعضًا من ذلك في – مناظرة الكسائي واليزيدي، ومجلس أبي إسحق الزجاج وجماعته ومجلس ثعلب والمبرد ومجلس أبي عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر ومجلس الزجاج مع رجل غريب، ومجلس ثعلب مع ابن كيسان ومجلس ابي عثمان المازني مع ابي الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش ولا يخفى ذلك الجمع المشهود الذي هباه يحيى البرمكي بين سيبويه والكسائي في المسألة الزنبورية.

مما هيأ الجو في مجال النحو للبعد به عن التسهيل والترغيب فنشأ جيل تعاطى النحو وبرع فيه براعة مشهودة مما جعل نفرًا منهم يتخذه مباهاة فحال هذا العمل ببين النحو للجميع وبين الناس، فظهرت المشكلات والمسائل العويصات كالأحاجي والمجالس والمناظرات في أمور نحسبها لم تعط النحو دفعات أو تطورًا أو يجني الدارسون منها ثمرة عملية تطبيقية، ويمكن تصور هذا الذي نقول إذا رأينا الفتاوي النحوية التي ربما جاءت نتيجة للتطور الذي نشأ من خلال تلك الممارات والمناظرات والمجالس والأحاجي. وسأسوق هنا أمثلة متنوعة على ذلك.

نموذج للمناكفات:

في نظري أن افتعال المسائل الصعبة أو السهلة في حد ذاته يدل على تعقيدات لا مبرر لها في مجال الدراسات النحوية والصرفية التي مجالها العطاء لا المحاجة ومما جاء في هذا المجلس أبي عثمان المازني مع يعقوب ابن السكيت (186 – 244) جاء فيه:

"أخبرنا أبو إسحق الزجاج قال أنبأنا أبو العباس عمر بن يزيد عن أبي عثمان قال:

جمعني وابن السكيت بعض المجالس فقال لي بعض من حضر: سله عن مسألة، وكان بيني وبين ابن السكيت ودٌ، فكرهت أن أتجهه بالسؤال لعلمي بضعفه في النحو – [بمعناه العام"> فلما ألح عليّ قلت ما تقول في قول الله عز وجل {فارسِلْ مَعْنَا أَخَانَا نَكْتَل} (10).

ما وزن نكتل من الفعل ولم جزمه، فقال وزنه نفعل وجزمه لأنه جواب الأمر قلت فما ماضيه ففكر وتشوّر فاستحييت له. فلما خرجنا قال لي – ويحك ما حفظت الودّ خجَّلتني بين الجماعة فقلت: - والله ما أعرف في القرآن أسهل منها قال فإن وزن نكتل نفتعل من اكتال يكتال وأصله نكتيل فقلبت الواو لتحركها وانفتاح ما قبلها ثم حذفت الألف لسكونها وسكون اللام فصارت نكتل (11).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير