تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا الولع الشديد بالمكاثرة فى أسماء الحيوان، مع الشعور بالزهو بسعة العلم اللغوى وثراء اللغة العربية نفسها، فيه كثير من التغالي، ولا يبرأ - كما رأينا - من التخليط، ولكنه قد نفعنا - بعد تمحيصه - فى وضع المقابلات العربية لأسماء سلالات الكلب أو أصنافه التى نجح فى استنباطها المربُّون، وتربو على المئة، وهى كلها أصناف من نوع الكلب المألوف أو المستأنس Canis familiaris.

وهذا الأمر ليس مقصوراً على الكلب. فالدَّميرى، مثلا، يبدأ موسوعته الفريدة قائلا إن للأسد أسماءً كثيرة، وإن كثرة الأسماء تدل على شرف المسمَّى. ونقل عن ابن خالَويه أن للأسد خمسمِئة اسم وصفة، وذكر أن عَليَّ بنَ القاسم بنَ جعفرَ اللغوىّ زاد عليها مئةً وثلاثين اسما. وذكر الدّميرى من هذه الأسماء خمسة وعشرين، ولكنه - لحسن الحظ - لم يسبّ من يجهل سائرها. وقل مثل ذلك أو بعضه عن الإبل والخيل والذئاب، وغيرها. وهم يخلعون على الحيوانات المشهورة شتَّى الكُنى، فالثعلب أبو الحصين وأبو نوفل، والذئب أبو جعدة، والهدهد أبو الأخبار، وهكذا.

وعندنا فى الطرف الآخر من تراثنا اللغوىّ، أسماء لانكاد نحدِّد لها مسمىًّ. وذلك من قبيل: "الجِلْف": طائر معروف؛ و "الحَرَقْصَى": دويْبَّة؛ و"الحُرْقُوفَة: دويْبَّة من الحشرات. و"دويْبَّة" لا تعنى إلاَّ كائنا صغيرا يدب على الأرض، فهى لا تكاد تفيد إلاَّ الحيوانيةَ وصغر الحجم، وتتسع حتى تشمل القنافذ من الثدييات، مثلا. وهذا بعضٌ مما يُحال إلى لجنة علوم الأحياء من لجنة المعجم الكبير، فى حرصها المشكور على التحقيق والتوثيق والشمول. ولكننا كثيرا ما نعتذر، فى مثل هذه الأحوال، عن عدم تمكننا من الاستدلال على تحديد مسميَّات تطمئن إليها نفوسنا. وأمثال هذه الأسماء كأنها تقابل ما يدعوه قانون التسمية الحيوانية "أسماءً عارية" ( nomima nuda) ، أى أسماءً أصبحت بلا مسمّى، سوف تظل محفوظة فى كتب اللغة التراثية، كما أننا نرى أن تسجل كما هى فى المعجمات الحديثة الواسعة، كالمعجم الكبير، إلى أن يُهتدى إلى تحديد مسمياتها، فى ضوء بعض الشواهد والقرائن، أو أن تخصَّصَ لمسميات محددة، وهذا - فيما نظن - أولى من الابتداع، وفيه إحياء لتلك الألفاظ.

ولكننا نوفق فى أحوال أخرى، بفضل الله، إلى التوصل إلى تحديد علمى مقبول معتمد على شئ من الاجتهاد والتأويل. ويكفى أن نضرب لذلك بعض الأمثلة:

1 - الجَلَعْلَعَة: "خنفساء زعموا أن نصفها طين ونصفها حيوان". ونستطيع أن نتقصَّى أصل هذه الخرافة: فالمعروف أن الجِعلان حشرات من غمديات الأجنحة تُعَدّ من الخنافس، وأن من أنواعها جِعلانَ الرَّوْث، التى تصنع إناثها كراتٍ كبيرة من الرَّوث (أو"الجَّعْر") لتضع فيها بيضها، ثم تمسك بها وتدحرجها أمامها، فتبدو وكأن نصفها من الطين، ولذا تكنَّى بأبى جعران وتعرف بالجعارين. ولذلك نستطيع أن نلحق بالتعريف المأثور قولنا:"ويحتمل أنها أنثى الجُّعَل بكرة الروث التى تضع فيها بيضها".

2 - جمل البحر: ينقل الدَّميرى عن ابن سيده أنه "سمكة طولها ثلاثون ذراعا"، ويشير إلى حديث أبى عبيدة، رضى الله عنه، أنه أُذِن فى أكل جمل البحر، وهو سمك شبيه بالجمل. ثم يشير أيضا إلى رجز للعجاج مذكور فى كتاب "البيان والتبيين" للجاحظ. ويقول صاحب القاموس إنه "سمكة طولها ثلاثون ذراعا". أما المعلوف، فى معجم الحيوان، فيدور مئة وثمانين درجة ويقول، نقلا عن جفروى، إن جمل الماء " نوع من السمك صغيرٌ رقيق جدا كأنه الشفرة"، ولكنه يضيف، وهو أيضا حوت عظيم اسمه الكُبَع. وعن الكبع، ينقل الدميرى عن ابن سيده أن الكَبْعَةَ: دابَّة من دوابّ البحر.

ويتجه الفكر بعد هذه الجولة إلى حوت طوله ثلاثون ذراعا يشبه الجمل. ويتركز النظر فى الحوت الأحدب humpback whale) ) ، له زِعْنِفَة كالسنام، ويبلغ طوله بين 15 و 19 مترا. والذراع الهاشمية تساوى اثنتين وثلاثين إصبعا أى 64سنتيمترا. وعلى هذا تكون الثلاثون ذراعا مساوية لتسعة عشر مترا. وهكذا نستطيع فى النهاية أن نقول، بدرجة مقبولة من الرجحان، إن جمل البحر هو الحوت الأحدب Megaptera novaeanglia من فصيلة Balaenopteridae . ويؤيد هذا الرأى أن الحوت الأحدب يجوب المحيطاتِ كلَّها، ومن ثم كان متاحا لأن يراه العرب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير