تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[جرير و بنو نمير]

ـ[أبو عبد الرحمن بن حسين]ــــــــ[17 - 12 - 08, 10:01 م]ـ

قصة واقعية تمثل حياة العرب الأدبية في النصف الثاني من القرن الأول للهجرة، جرت حوادثها في البصرة – حلبة الشعراء في تلك الأيام فكانوا يتبارون في المربد منها، و هو سوق كسوق عكاظ في الجاهلية

(يا أبا جندل، إنك شيخ مضر و شاعرها، وقد أتى بي إليك أني و ابن عمي نستب صباح مساء، و ما عليك غلبة المغلوب، و لا لك غلبة الغالب. فإما أن تدعني و صاحبي، و يكفيك إذا ذكرنا أن تقول: كلاهما شاعر كريم. و لا تحتمل مني و لا منه لائمة. و إما أن يكون وجه منك إلي إن تغلبني عليه: لمدحي قومك و ذبي عنهم، و حطبي في حبلهم)

قال جرير ذلك للراعي عبيد بن حصين – أحد بني نمير – و قد بلغه خبر أقامه و أقعده، و هو أن عرادة النميري – نديم الفرزدق – اتخذ طعاما و شرابا و دعا إليه الراعي حين قدومه البصرة، و جلس يؤاكله و يشاربه، و في خلال ذلك قال عرادة النميري:

- يا أبا جندل، انك من شعراء الناس، أمرك ضخم بينهم، فقل شعرا تفضل به الفرزدق على جرير!

فامتنع الراعي بادئ الأمر، غير أن صاحبه ما زال يزين له ذلك حتى قال (عبيد):

يا صاحبي دنا الأصيل فسيرا

غلب الفرزدق في الهجاء جريرا

فطار عرادة لذلك فرحا، و عدا بهذا الشعر إلى الفرزدق و أنشده إياه. فترامى الخبر بعد أيام إلى جرير فتحسب أنه مغلب للفرزدق، و قد شهد بذلك عبيد شاعر مضر و ذو سنها.

لهذا الخبر خاطب جرير أبا جندل بكلمته التي في صدر هذه القصة، فقال له هذا:

- صدقت، أنا لا أبعدك من خير، ميعادك و ميعاد قومك غدا، فسأعتذر عما قلت ...

...

بَكر جرير ثاني الأيام إلى حلقة قومه بني يربوع في المسجد، و قص عليهم القصص، فما انتظمت حلقتهم بعد صلاة العصر من يوم الجمعة حتى وقف عليهم رجل من بني أُسيد له علم بالأمر، فقال له بنو يربوع:

- اذهب إلى حلقة بني نمير فتعرض لراعي الإبل و اذكر مجلسنا، لعله نسي الذي قال لنا بالأمس

فأتاه فقال:

- يا أبا جندل، هذه بنو يربوع تنضح جباههم العرق، ينظرون ميعادك اليوم

فذكر الراعي ذلك، فقام ليعتذر، و لكن قومه أدركوه و تمسكوا بأطراف ثوبه و قالوا له:

- اجلس فوالله لأن ينضح قبرك غدوة في الجبانة أحب إلينا أن يراك الناس تعتذر لهذه الكلاب

فسمع الرجل ذلك،فنقله إلى بني يربوع

ثار ثائر جرير و جن جنونه، و جعل القوم يكلمونه فلا يجيب، حتى ترك المجلس غضبان، و انتظر أبا جندل في الطريق ليراه و يزجره.

و انه لهنالك إذ ألفى عبيداً راكباً بغلته، فتعرض له قائلاً:

- يا أبا جندل، إني قد أقمت بهذا المصر سبع سنين لا أكسب أهلي دنيا و لا آخرة، إلا أن أسب من سبهم، فلا يقع منك بيني و بين هذا الرجل – يعني الفرزدق- ما أكره

قال هذا بلهجة مترعةٍ إرادةً حديدية، و أردف ذلك بقوله:

- أنت شيخ مضر و شاعرهم، و قولك مسموع فيهم، فمهلاً أبا جندل مهلا!

فقال هذا و كان عاقلا:

- معاذ الله أن أفعل ما تكره!

قال جرير، و قد ألفى مجالا للإفصاح عما يكنه صدره بعد أن قويت حجته:

- و مع ذلك فأنت ترفع الفرزدق و قومه حتى لو تقدر أن تجعلهم في السماء لفعلت، و تقع في بني يربوع حتى تصير إلي في رحلي.

و إنهما لفي هذا الحديث، و قد وضع جرير شماله على بغلة أبي جندل، إذ أقبل جندل راكباً بغلته، فسأل عن محدث أبيه فلما علمه رفع عصاً كرمانية كانت في يده و ضرب عجز بغلة أبيه قائلا:

- لا أراك يا أبتاه واقفاً على كلب من بني كليب كأنك تخشى منه شراً أو ترجو منه خيراً!

فاندفعت البغلة مسرعة و قد رمحت جريراً فسقطت قلنسوته سقطة مشئومة، و تبعها هو إلى الأرض فقال في نفسه و هو واقف ينظفها و ينظر إلى الفتى و أبيه و قد أوشكا أن يتواريا في السواد:

- ليعلمن شأنه و شأن أبيه و قومه بعد حين ....

نعم يا جرير، لقد حان الوقت الذي تطفأ فيه آخر جمرات العرب الثلاث، و ليقل بعد إن جريراً وحده هو الذي أخمدها

...

لجرير راويةٌ هو مولى لبني كليب كان يبيع الرطب بالبصرة، و كان يحب شعر جرير و يجمع قصائده ليحفظها و يرويها في الناس، و قد تمكن حب جرير من قلب (حسين) راويته هذا.

و ذهب جرير إلى راويته و أعلمه بما جرى و قال:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير