وقوله: طباعا جمعت فيك عيوبا شملها انضم، بيان لأصل الداء، وأنه الطبع، وهو السبب في نشوء العيوب، والحصيف من بادر إلى طبعه فهذبه بقانون الشرع، فإن الطَّبْعَ يَغْلِبُ التَّطَبُّع، ولكنه لا يغلب التَّشَرُّع أي التنسك والالتزام بآداب الشريعة، فمن سَاسَ نفسه بالشرع انقادت له طباعه فانصلحت له عيوبه.، من تمادى في ترك طباعه ولم يبال بترويض قلبه وانصياعه تجمعت عليه النواقص واشتدت عليه العيوب وانضم بعضها إلى بعض حتى يصعب الإصلاح ويعسر التلافي وتضيع فرصة الإنابة والرجوع.
إَذَا أَسْخَطْتَ مَوْلاكْ فَمَا تَقْلَقُ مِنْ ذَاكْ ... وَإِنْ أَخْفَقْتَ مَسْعَاكْ تَلَظَّيْتَ مِنَ الهَمّْ
الشرح: يصف مسلك الإنسان، وأنه لا ينصف ربه من نفسه، فإذا أسخط ربه ما قلق ولا خاف، ولا جزع ولا هلع، ولكنه إن أخفق في أمر من أمور الدنيا وفشل في تجارة من تجاراتها، وخسر شيئا من زينتها نزل عليه الهم وأصابه من صنوف الغم ما يجعله يتلظى كالنار ويغلي كالحميم وهذا دليل على خلو القلب من التقوى ومخافة ا لرحمن.
تُعَاصِيْ النَّاصِحَ البَرّْ وَتَعْتَاصُ وَتَزْوَرّْ ... وَتَنْقَادُ لِمَنْ غَرّْ وَمَنْ مَانَ وَمَنْ نَمّْ
الشرح: تُعَاصِي، اي تعصيه المرة بعد المرة، فالناصح البر هو الشفيق المخلص الذي يناصح المرة بعد المرة، ولكنه يجد الصدود بعد الصدود، وصاغه على المفاعلة لأن الناصح يعصيه بعدم كف النصح، وذاك يعصيه بعدم الامتثال، وتعتاص من اعتاص عليه الأمر أي اشتد، والمقصود اشتداد أمر النصيحة عليه، وتَزْوَرّ أي تهرَب وتَرُوغ.وتنقاد لمن غَرّ أي تتبع من يخدعك وتلين لمن يخذلك وتصدق من يكذبك ...
ومان أي كذب، والنَّمُّ هو نقل الحديث إفسادا أو تزيينه بالكذب أو الإغراء بفعل الشيء وفيه ضرر.
وَتَسْعَى في هَوَى النَّفْسْ وَتَحْتَالُ عَلَى الفَلْسْ ... وَتَنْسَى ظُلْمَةَ الرَّمْسْ وَلا تَذْكُرُ مَا ثَمّْ
الشرح: تسعى في هوى النفس أي تمشي في رضاها، وتبذل في مناها، ولا تتجشم مخالفتها ولا تجرؤ على مناجزتها ...
وتحتال على الفلس: أي تناور بالحيل في نوال المال، وتخادع بالمكائد في الحصول على المأمول.
وتنسى ظلمة الرَّمْس: أي تنسى القبر وظلمته، واللحد ووحشته ... فالرمس على وزن الأمس هو القبر ...
ولا تذكر ما ثَمّ .. أي لا تحاول تذكر ما ينتظر هناك في القبر من أهوال وفظائع .. ثَمَّ: هناك.
وَلَوْ لاحَظَكَ الحَظّْ لََمَا طَاحَ بِكَ اللَّحْظْ ... وَلا كُنْتَ إِذَا الوَعْظْ جَلا الأَحْزَانَ تَغْتَمّْ
الشرح: الحظ هو النصيب والمقدور، والمراد به هنا عناية الله تعالى، وطاح أي أذهب وأفسد، واللحظ هو النظر والمقصود به الالتفات إلى الدنيا عن الآخرة .. والمعنى: لو أدركتك عناية الله ونالك الحظ من توفيقه لما ذهبت بك الدنيا مذاهبها وأطاحت بك في أوديتها ولما كنت غليظ القلب إذا سمعت الوعظ والنصح اغتممت وحزنت مع أن الجدير أن يذهب الوعظُ بهمك ويُجْلِي النصحُ حزنَك لما فيه من خير لك في الدين والدنيا، ولكنك غارق في شئون نفسك لاه عن نفعها في الحال والمآل.
سَتُذْرِيْ الدَّمَّ لا دَمْعْ إِذَا عَايَنْتَ لا جَمْعْ ... يَقِيْ فِيْ عَرْصَةِ الجَمْعْ وَلا خَالَ وَلا عَمّْ
الشرح: تُذْرِيْ أي تُسْقِطُ، والمعنى أنك ستبكي دما لا دمعا إذا عاينت وشاهدت في عرصات يوم القيامة حقائق الأمور وعلمت أنه لا جَمْعَ يحميك ولا عُصْبَة تَقِيْك ولا قبيلة تؤويك، فلا خال ولا عم، ولا أب ولا أم، ولا أخ ولا صديق، بل ما ثَمَّ إلا عملك الذي قدمته بين يديك ...
كَأَنِّيْ بِكَ تَنْحَطّْ إِلَى اللَّحْدِ وَتَنْغَطْ ... وَقَدْ أَسْلَمَكَ الرَّهْطْ إِلَى أَضْيَقَ مِنْ سَمْ
الشرح: كأني بك: عبارة يراد بها تمثيل ما سيحدث في المآل، وتنحط تسقط من عل، وتنغط: تغطس في مكان عميق حتى يعلوك هذا المكان، والمعنى أنك عند الموت سيضعونك في قبرك من مكانهم العالي فتنزل إلى مكان سافل منحط، وتغطس وتنغط فيه كما يغطس الغاطس في الماء، ويسلمك رهطك وأهلك إلى مكان حفرة ضيقة كأنها أصغر من سم أي ثقب صغير ... والسم الثقب ويقرأ فتح السين وبالضم والكسر أيضا.
¥