[المقامة اللفظية الأولى]
ـ[بلال الجزائري]ــــــــ[29 - 12 - 08, 02:52 ص]ـ
من أبي همام الناصح الأمين الجزائري ....
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله أما بعد:
فأزف إلى إخواني بشرى جديدة في عالم المقامات، و لكن هذه المرة في عالم لغتنا العربية، و ما تزخر به من الألفاظ الكتابية …
لقد اطلعت على كتاب أعارني إياه أخي في الله و جاري و صديقي أبو سليمان (عبد الحميد الأثري الجزائري) و الموسوم ب: كتاب الألفاظ الكتابية للشيخ عبد الرحمن بن عيسى الهمذاني الكاتب رحمه الله…
فأعجبني كثيرا لما يحتويه من ألفاظ و عبارات فصيحة و مترادفات كثيرة مليحة في الباب الواحد، و الكتاب يجمع أبوابا عديدة في شتى المعاني و الأحوال، يقدر عددها بخمس و ستين بعد المئة الثالثة أي بقدر أيام السنة الشمسية فاحفظوا هذا أحبتي في الله…
و على هذا فلو قام أحدنا كل يوم بكتابة مقامة لكل باب لاستغرق هذا منه عاما شمسيا واحدا فقط!! (ابتسامة)
على كل، لقد بدأت هذا المشروع المتواضع سائلا الله عز وجل أن يوفقنا لإتمامه و أن ينفعنا به، و أن يعيننا على تعلم لغة الضاد، و التفقه فيها، فهي لسان القرآن و السنة، ومفتاحهما الذي ارتضاه لنا ربنا جل و علا، و هي اللغة التي ميزها الله عن سائر اللغات بالإفصاح و الإبانة كما في قوله تعالى (بلسان عربي مبين) .....
ملاحظة:
1 _أعلم إخواني الأفاضل أنني قمت بتلوين الألفاظ الكتابية الواردة في الكتاب، فالمترادفة منها جعلتها بلون واحد، و الأخرى بلون مغاير، و هكذا ... ليحصل التمييز.
2 _ أناشد مشايخي الأفاضل و طلبة العلم الأكارم، أن لا يبخلوا عليّ بانتقاداتهم الماتعة و تعليقاتهم النافعة، فأنا في أمس الحاجة إليها!! .....
بارك الله فيكم جميعا، يا أهل الحديث الأوفياء!! .....
المقامة اللفظية الأولى!!
1ـ باب في معنى أصلح الفاسد
2ـ باب في معنى صلح الشيءُ
حدثني أبو همام الجزائري ذات ليلة فقال:
زعموا أن شيخا صالحا كان يعيش في ناحية من نواحي العرب، فحل بين أهلها الخلاف، و كثر الجدال و الاختلاف، و دبت الفرقة بين الأحلاف، و ذهب الود الذي كان في الأسلاف ....
فتحرك قلب الشيخ الصالح، لما حل بأهله من الضرر الفادح ....
فأراد إصلاح ما فسد، و لمَّ الشَّعَث، و ضمَّ النَشَر، و رمّ الرَّث،
و سدّ الثغر ....
فأخذ يتنقل بين المجالس و النوادي، و القرى و البوادي، يصيح في الناس و ينادي، هلم للصلح يا أولادي!! ....
فرقع الخرق، و رتق الفتق، الذي كان في الخلق ...
و أصلح الخلل، بلا كسل و لا ملل، يحدوه في ذلك الأمل ....
و جمع الشتات، بين كل الفئات ....
و جبر الوهن و الوهي، بنصوص السنة و الوحي ....
فاجتمع الناس، و حسُن الأمرُ، و صلح الفاسد، و استقام المائل، و انشعب الصدع، و انجبر الوهي، و انحسم الداء، و ارتتق الفتق، و اعتدل الميل، و اندمل الكَلْم ...
فأصبح الناس يتحدثون دهرا، يثنون على الشيخ خيرا ....
فقال أحدهم:
بارك الله فيك أيها الشيخ الفاضل، و المصلح المناضل ....
لقد جبرت الكسر جبرا، و أجبرتنا على الصلح إجبارا ...
و قال آخر:
لقد أسا الكَلْمَ أسوا، بعد أن أَسِيَ على مصيبتنا أسى،
فشعب الصَّدْعَ، و رأب الثأي رأبا (1) ...
و قال آخر:
لقد شعب الأمرَ (2)، و سد الثُّلمةَ، و أقام الأَوَدَ، و سد الفُرَجَ و الخلل، و أقام الصَّعَر، و لأم الصَّدْع (3) ...
و قال آخر:
لقد قوّم المَيْل (4)، وثَقَََّف الأود و العوج، و داوى السَّقَم، و داوى الأدواء، وحسم الداء، وسوّى الزيغ ...
و قال الأخير و أبلغ:
بعد أن أفسدنا بين الأنام، و أنهرنا الفتق، و نكأنا الكِلام (5)، و زدنا في الفتق و الوهن و الآلام ..
فكثرت الفتوق (6)،و زاد الفساد، و استوسع الوهي، و استَهْر الفتق، و وَهَى الشَّعْبُ، و تفاقم الصدع ...
و استشرى الفساد، و يئس العباد من صلاح البلاد ...
حتى جاءنا هذا الشيخ بالصلح و النفع، و رأب متباينَ الصدع ...
و ضم متفرق النشر، فاللهم لا تحرمه الأجر، و أنعم عليه بالستر ...
و بارك له في العمر، و يسر له جميع الأمر ...
كتبه أبو همام الجزائري
سلسلة المقامات اللفظية ـ العدد1 ـ
من كتاب الألفاظ الكتابية للهمذاني الكاتب
تصحيح محمد عبد الرحمن الشاغول ـ المكتبة الأزهرية للتراث.
ـــــــــــــــــــــ
(1) أُخِذ من الرُّؤبة، و هي قطعة من خشب تُدخَل في الجفنة إذا انكسرت تُصْلَح بها.
قال كعب بن مالك الأنصاري:
طعنا طعنة حمراءَ فيهم حرام رَأْبُها حتى الممات
(2) يقال شعبت الأمر إذا أصلحته، و شعبته إذا أفسدته أيضا،
و هذا من الأضداد.
(3) و الوصم و الخلل و الفساد و الفتق واحد.
و يقال: أخاف وقوع الوصم في هذا الأمر.
(4) و الميل فيما كان خِلقة، فيقال: في عنقه ميل.
و الميل فعلك و ميلك إلى الشيء.
(5) أي نشرنا الجروح، يقال: نكأت الكَلَْْم نكأ (مهموز)
و نكيت في العدو نكاية (غير مهموز)
و في المثل: ما حككت قرحة إلا نكأتها.
(6) و الفتوق: حوادث الفساد
يقال: ورد على الخليفة فتق البصرة، أي انتفاض الأمر و اضطراب الحبل فيها ....
ملاحظة / كذا وجدتها: انتفاض الأمر، ولا أدري أهي كذلك أم أن الصواب:انتقاض الأمر ...... والله أعلم.
¥