أما إذا نُبِّه على خطأ بالعربية وقع فيه، فهو - في الأغلب - لا يبدي أسفه! وقد يقول لك غير مُبالٍ ولا شاعر بخطورة تقصيره (أنا لا أحْسِن العربية!). ولا تلمس منه - غالباً - رغبة في إتقانها كرغبته في إتقان الإنكليزية. وقد يقول لك: (كثيرون يقولون هذا). فإذا ذكرت له أن هذا الشائع خطأ، رأيته يدافع عن الإبقاء عليه! وأود هنا أن أذكر أن صديقنا الأستاذ الدكتور مازن المبارك، عقد في كتابه (نحو وعي لغوي) فصلاً عنوانه:
((السُّخف المأثور، في أن الخطأ المشهور، خيرٌ من الصواب المهجور!))
إن رغبة الكثيرين في تجاوز مضمون العنوان المذكور، وتقاعسهم عن استدراك ما ينقصهم من معلومات في العربية - إضافة إلى عقدة الشعور بالدونيّة إزاء الغرب، التي تعانيها نسبة غير ضئيلة من العرب - هو سبب الظاهرة الخطيرة الواسعة الانتشار: التسييب اللغوي. بل أكاد أقول: (الإباحية اللغوية!) وهذا ما يرمي إليه أعداء العروبة.
انظروا إلى الإعلانات واللافتات، في الطرقات والمجلات، تجدوا طوفاناً من كلمات أجنبية بحروف عربية! أو عبارات (عربية) مملوءة بالأخطاء! ثم لماذا يسمح كثير من الناس لأولادهم أو لأنفسهم أن يرتدوا ملابس يسيرون بها متباهين فرحين، وقد صارت صدورهم وظهورهم دعايات متحركة للإنكليزية؟!! من غير أن يشعر أحدٌ بالمهانة، أو أن يحرك ساكناً إزاء هذه المهانة؟! أليس من واجبنا جميعاً أن نكافح هذا المرض النفسي الذي استشرى، وهذا الانحلال في الشخصية، ومظاهر الانتماء إلى الغرب، وأن ندافع عن كرامتنا بدفاعنا عن لغتنا؟
وأودّ هنا أن أذكر أمراً مقرَّراً، وهو أن الخطأ الشائع ليس ضرباً من التطور! وأن شيوعه لا يعطيه أيَّ حقٍ في البقاء. فليس من التطوير ما كسر أصلاً أو هدم قاعدة سارت عليها العربية من القديم حتى يومنا هذا.
جاء في مقدمة (المعجم الوسيط) الذي أصدره مجمع اللغة العربية بالقاهرة:
((وأدخلتْ لجنة إعداد المعجم في متنه ما دعت الضرورة إلى إدخاله من الألفاظ المولَّدة أو المحْدَثة أو المعرَّبة أو الدخيلة التي أقرّها المجمع، وارتضاها الأدباء، فتحركت بها ألسنتهم وجَرَتْ بها أقلامهم. واللجنة على يقين من أن إثبات هذه الألفاظ في المعجم، من أهم الوسائل لتطوير اللغة وتنميتها وتوسيع دائرتها)).
وجاء أيضاً: ((فرأى المجْمع، وهو الجهة اللغوية العليا، أن يتخذ جميع الوسائل الكفيلة بتحقيق الأغراض التي من أجلها أنشئ، وذلك بإنهاض اللغة العربية وتطويرها، بحيث تساير النهضة العلمية والفنية في جميع مظاهرها، وتَصْلُحُ موادُّها للتعبير عما يُستحدث من المعاني والأفكار)). هكذا إذن يجب أن يُفهم التطوير! أي ضمن الحدود المذكورة!
يقول الرافعي - وهو من أئمة البيان والبلاغة في عصرنا - ((إن فصاحة العربية ليست في ألفاظها، ولكن في تركيب ألفاظها، كما أن الهِزَّة والطرب ليست في النغمات، ولكن في وجوه تأليفها)). (تحت راية القرآن /19)
ويقول: ((وليس عندنا في وجوه الخطأ اللغوي أكبر ولا أعظم من أن يظن امرؤٌ أن اللغة بالمفردات، لا بالأوضاع والتراكيب)). (تحت راية القرآن /59)
ويقول: ((ومتى وُفِّق كاتبٌ في ألفاظه ونَسْقِ ألفاظه، فقد استقامت له الطريقة الأدبية، وجاء أسلوبه في الطبقة العالية من الكتابة. وأكثر كلام العرب يخرج على هذا الوجه، فتراه بليغاً في أدائه، رصيناً في ألفاظه، متيناً في عبارته، ولا طائل من المعنى وراء ذلك)). (على السفود /93)
تركيب الألفاظ إذن، وحُسن استعمالها، هو ما يجب السعي لتعلُّمه. وضَمُّ الكلمات بعضها إلى بعض، ضمّاً سليماً يراعي خصائص العربية وسَنَنَها، هو ما يجب العمل على إتقانه.
ولقد أساء إلى العربية في هذا القرن - جهلاً بها أو تجاهلاً - كثير من المترجمين: فنشروا عشرات التراكيب التي لا توافق قواعد اللغة؛ وقلّدهم في ذلك آلاف الكاتبين (ولا أقول الكتّاب!).
2 - لماذا تدنّى مستوى الأداء بالعربية لدى المتعلمين؟
ثمة عدة أسباب: ففي مطالع العصر الحديث كان المتعلمون قِلّة، ولكن كان معظمهم جيد المعرفة بالعربية. لأنه كان يأخذ علمه عن معلمين مقتدرين، ومن الكتب الشائعة آنذاك، وأكثرها مَصُوغ بلغةٍ عربية جيدة، أو سليمة على الأقل.
¥