[حملوا ((المقامة الغزية)) للأستاذ أحمد إبراهيم المحمد]
ـ[احمد الجرابلسي]ــــــــ[15 - 01 - 09, 06:33 م]ـ
[حملوا ((المقامة الغزية)) للأستاذ أحمد إبراهيم المحمد]
====
"المَقَامَةُ الغَزَّيِّة () "
بقلم الأستاذ أحمد إبراهيم المحمد
brhom _ 20006 @ hotmail.com
هذه المقامة الغَزَّيِّة، بعد المقامة الدِّيناريَّة، سميتُها بهذا الاسم، لِمَا حل بغزة من الظلم، من جوع وحصار، ثم بطش ودمار، فقُتِلَ الأبرياء، وسالت الدماء، وتناثرت الأشلاء، فلا يُلام حرٌّ إن مات بعد ذلك من الهَمِّ، أو ذهبت نفْسُه حَسرةً من الغَمِّ ()، والكلامُ عن مأساة غزة غيرُ كافٍ، والوصفُ غيرُ وافٍ، والبيانُ غيرُ شافٍ.
خطبٌ ألمَّ فلم يَسْطِعْ تحمُّلَهُ == لفرط وطأته قلبٌ ولا خَلَدُ ()
لقد رأينا المعتدين يدمرون المساجد ()، ويدنسون الكتاب الخالد، ولم يرحموا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً، قتلوا الطفلَ أمام والدته، والرجلَ مع أسْرَته.
يا غيرةَ اللَه ابطشي بعصابة == ألهاهمُ الجبروتُ والطغيانُ
ولقد أُهينت للمساجد حرمةٌ == وأُهين في محرابها القرآنُ ()
ونحن ـ لعجزنا ـ لاَ نَمْلِكُ عُدَّةً غَيْرَ الدُّعَاءِ، وَلا حِيلَةً إِلاَّ الرَّجَاءِ، فيا رَبِّ:
أدركْ بنصركَ أهلَ غزةَ إنهم == ظُلموا فرِيعَ الشيبُ والشبانُ
أدركْ بها الضعفاءَ واستعجل فقد == عزَّ النصيرُ وقلَّت الأعوانُ
وجرت دموع الحزن فوق خدودهم == وتقرحت منهم بها الأجفانُ ()
أيها الناس إني سائلُكم، وبالله مستحلُفكم، هل رأت البشريةُ منذ وجودها، مثل هذه الفظائع، أو عرفت البَرَيَّة عبر عهودها، مثلَ تلك الشنائع، هل فعل فرعونُ عُشْرَ ما فعلوا؟ وهل قتل نُمْرودُ () معشارَ معشارِ ما قتلوا؟ بل لو وُضعت جرائم الطغاة عبر القرون في كِفّة، ووضعت جرائم أولئك في كِفة، لرجحت كِفة إجرامهم، وطاشت كِفة أقرانهم.
يا قوم اقطعوا حبال مَنْ ساند الطغاة، وانبذوا مَنْ صمت عن أفعال البغاة، يا قوم كيف تأكلون وتشربون، وتلعبون وتطربون، وأهل غزة يموتون؟
أَينَ الحَفائِظُ ما لَها لَم تَنبَعِث == أَينَ العَزائِمُ ما لَها لا تَنبَري
عِندَ الخُطوبِ النُكرِ يَبدو فَضلُكُم == وَالنارُ تُخبِرُ عَن ذَكاءِ العَنبَرِ ()
فاجْأروا بالدعاء لهم في الأسحار، وسلوا لهم التثبيت والنصر آناء الليل وأطراف النهار، ادعوا لهم، قولوا: اللهم كن معهم. فمن كان الله معه فهو الغالب، ومن كان عليه فهو الخائب، ولا تبخلوا بمدِّ يد العون لهم، فقد أعرض قريبُهم عنهم، وجار عدوُّهم عليهم، فلا تغضوا الطرف عن مأساتهم.
وَكَيفَ تَنامُ العَينُ مِلءَ جُفونِها == عَلى نَكَبَات أَيقَظَتْ كُلَّ نائِمِ ()
يا قوم عودوا إلى أصلكم، عودوا إلى جوهركم، ففي أصلكم الشهامة والوفاء، وفي جوهركم النجدة والإباء، فأنتم أحفاد الفاتحين، وأبناء الغر الميامين، فخذوا نصيباً من مآثرهم، وأعيدوا شيئاً من مفاخرهم، وهبوا لنصرة غزة، وسجلوا وقفة عزة.
سأفعلُ فعلَ أجدادي فإمَّا == كما نالوا وإمَّا حيثُ صاروا ()
وأنتم أيها المعتدون، وايْم الله () إنكم أنتم الخاسرون، نعم خسرتم كل ما تريدون، ولم تحققوا ما إليه تَصْبُون، فإذا كانت غايتكم من عدوانكم تحقيق الأمن والأمان، فهذا لم يكن ولن يكون لمجرم عبر الزمان، لأن اللص يحسب كل صيحة عليه، وكل سهم موجهاً إليه، فلا يطيب له رقاد، ولا يتحقق له مراد.
وإن كان مرادكم من فعلكم، التخويف والترويع، والترهيب والتركيع، فهذا ضرب من المُحال، لأن الخوف لا مكان له في قلوب الرجال، وأمامكم رجال يطلبون الموت ويريدونه، كما تفرون منه وتخشونه.
كفاكم أيها المعتدون عدوانًا، وتجبراً وطغياناً، واعلموا أن دماء أجدادنا، ما تزال تسري في عروقنا، وغبار فتوحهم ما يزال محلِّقاً في سمائنا، فاحذروا غضب الحليم، كما نحذر منكم غدر اللئيم، فلقد أوشك صبر الأمة على النفاد، وهي عازمة على إعادة الأمجاد.
فَتَقوم أحفاد لأجداد مضوا == وَتعيد مجد أولئك الأجداد ()
ويا أهل غزة، أنتم رمز العزة، أرضكم مثوى الكرام، ومنبت الأعلام، ولست مبالغاً في هذا الكلام، ألم تضم أرضكم في بطنها هاشماً ()، وتُخْرج للإسلام عالِماً ()؟ هاشم عنوان الجود والبذل، والشافعي صِنوان العِلْم والفضل، اسمع إلى قول القائل من الفحول الأوائل ()، يرثي هاشماً، فيقول متألماً:
مات الندَى بالشام لما أن ثوى ... فيه بغزة هاشمٌ لا يبعد
واسمع إلى قول الآخر ()، يُجَلِّي ما للشافعي من المفاخر:
لِرَأيِ اِبنِ إِدريس اِبنِ عَمِّ مُحَمَّدٍ == ضِياءٌ إِذا ما أَظلَمَ الخَطبُ ساطِعُ
أَبى اللَهُ إِلاّ رَفعَهُ وَعُلُوَّهُ == وَلَيسَ لِما يُعليهِ ذو العَرشِ واضِعُ
فَمَن يَكُ عِلمُ الشافِعِيِّ إِمامَهُ == فَمَرتَعهُ في باحَةِ العِلمِ واسِعُ
قال الشافعيّ يحن إلى غزة حنين المشتاق، بعد أن طوَّف في الآفاق:
وإني لمشتاق إلى أرض غزة ... وإن خانني بعد التفرُق كتماني
سقى اللهَُ أرضاً لو ظفرتُ بتُربها ==كحلتُ به من شدة الشوق أجفاني ()
فيا أيها الغزِّيُّون، أنتم ـ لعمر الله ـ منصورون، عرفتم الطريق فَسِرْتم، وما ضعفتم وما استكنتم، ولم تلتفتوا إلى أحد، وتوجهتم إلى الواحد الأحد، ومن كان مع الله كان الله معه، ومن كان الله معه، فلن يغلبه الوجود أجمعه.