تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهوَ مَثَلٌ يُقَالُ فِيْمَنْ كَثُرَ نِفَاقُه، وانْحَطَّتْ في التَّمَلُّقِ أَخْلاقُه، ولَهُ في المُمَاذَقَةِ أُسْلُوْب، ومَاءُ وَجْهِهِ مَسْكُوْب، والوُصُوْلِيُّ قِرْدٌ في هَيْئةِ إنْسَان، يَتَسَلَّقُ إلى مَصَالِحِهِ بِاللِّسَان، وهوَ أَيْضاً عَدِيْمُ الكَرَامَة، تَأْنَفُ مِنْ قَذَارَتِهِ القُمَامَة، يَبِيْعُ أُمَّهُ وأَبَاه، لِيَصِلَ إلى مَسْعَاه، تَرَاهُ مُلْتَصِقاً بِالكُبَرَاء، وهُمْ يُعَامِلُوْنَهُ كَالحِذَاء، وقَدْ يُصَاحِبُ عَامَّةَ النَّاس، ويَرْفَعُ ذَنَباً يَظُنُّهُ الرَّاس، لا مَبْدَأَ يَحْكُمُ تَصَرُّفَاتِه، ولا يَرَى إلاّ تَحْقِيْقَ ذَاتِه.

وأَصْلُ المَثَلِ أَنَّ مُوَظَّفاً عَظِيْمَ الهِمَّة، يُؤَدِّي عَمَلَهُ بِإخْلاصٍ وذِمَّة، وكَانَ لَهُ زَمِيْلٌ كَثِيْرُ الإهْمَال، عَلَيْهِ مِنَ الدَّنَاءةِ سِرْبَال، لَمْ يَرَ أُمَّهُ مُنْذُ سِنِيْن، وأَبُوْهُ في دَارِ المُسِنِّيْن، وإذا رَأَى رَئيْسَهُ قَبَّلَ يَدَيْه، وكَادَ يَلْعَقُ بَاطِنَ رِجْلَيْه، ويُسْمِعُهُ كَلِمَاتِ التَّبْجِيْلِ والتَّعْظِيْم، ويَشْتُمُ أَمَامَهُ الرَّئيْسَ القَدِيْم، وإذا مَرِضَ ابْنُ الرَّئيْس، قَفَزَ بِهِ إلى (ابْنِ النَّفِيْس)، وإنْ فَرَغَتْ أُنْبُوْبَةُ غَازِه، حَمَلَها لَهُ عَلَى أَعْجَازِه، ومَتَى انْتَهَتْ مُدَّةُ الرِّئاسَة، سَحَبَ عَلَيْهِ ذَيْلَ الخَسَاسَة، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الرَّئيْسَ الجَدِيْد، بِكُلِّ حَفَاوَةٍ وتَمْجِيْد، ومَضَى عَلَى عَادَتِهِ المُخَادِعَة، فحَقَّقَ لَهُ رُؤسَاؤهُ مَطَامِعَه، وهوَ مَعَ ذَلِكَ وَاشٍ نَمَّام، ومَاهِرٌ في حَبْكِ الكَلام، سَبَقَ أَنْ وَشَى بِزَمِيْلِهِ الشَّرِيْف، فنُقِلَ مِنْ فَوْرِهِ إلى الأَرْشِيْف، وفَازَ هُوَ بِعُلُوِّ الرَّاتِبِ والمَرْتَبَة، وحَظِيَ بِالانْتِدَابَاتِ ولَمْ يَبْرَحْ مَكْتَبَه.

فلَمَّا رَأَى المُوَظَّفُ ضَيْعَةَ حَالِه، وكَيْفَ ظَفِرَ الوُصُوْلِيُّ بِآمَالِه، قَرَّرَ أَنْ يَتَخَلَّى عَنِ الإبَاء، وأَنْ يُنَازِعَ الوُصُوْلِيَّ الإنَاء، فطَرَحَ عَنْ كِبْرِيَائه الخَجَل، واسْتَأْذَنَ عَلَى رَئيْسِهِ ودَخَل، فحَبَكَ لَهُ مِنَ التَّمْجِيْدِ عَبَاءات، وقَالَ فِيْهِ مِنَ الشِّعْرِ مُعَلَّقَات، ثُمَّ مَسَحَ حِذاءَهُ ولَمَّعَه، وسَارَ إلى البَيْتِ مَعَه، فنَفَضَ عَنِ العَتَبَاتِ الغُبَار، وانْحَنَى وامْتَطَاهُ الصِّغَار، فمَا مَرَّ أَكْثَرُ مِنْ أُسْبُوْع، إلاّ وأَمْرُهُ مُطَاعٌ مَسْمُوْع، ونَهَضَتْ بِهِ رِجْلُهُ العَاثِرَة، وأَصْبَحَ مُدِيْراً في الدَّائرَة، فاسْتَدْعَى الوُصُوْلِيَّ وشَكَرَه، وأَعْطَاهُ مِنْ بُسْتَانِهِ ثَمَرَة، ثُمَّ نَادَى بِصَوْتٍ سَمِيْك، وأَمَرَ الوُصُوْلِيَّ بِالتَّدْلِيْك، وظَلَّ وَرَاءهُ يُدَلِّكُهُ بِرِفْق، ويَدْعُو لَهُ بِسَعَةِ الرِّزْق، وأَثْنَاءَ اسْتِرْخَائهِ اعْتَدَلَ واسْتَدَار، وأَنْشَدَ وهوَ عَلَى كُرْسِيِّهِ الدَّوَّار:

أَلاَ لِلَّهِ دَرِّي مِنْ نَبِيْهٍ ... تَغَانَمَ عُمْرَهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ

ظَفِرْتُ مِنَ التَّمَلُّقِ بِالأَمَانِي ... فَتَبّاً لِلْكَرَامَةِ وَالإبَاءِ

وَكُنْتُ أَرَى الشُّمُوْخَ رِدَاءَ عِزٍّ ... فَعَرَّى كُلَّ سَوْءاتِي رِدَائي

لَيَالِيَ كُنْتُ مُحْتَقَراً ضَئيْلاً ... وَفي الأَرْشِيْفِ مُطَّرَحاً وَنَائي

أُغَالِطُ وَهْمَ عِزَّتِيَ ادِّعَاءً ... فَمَاذا زَادَنِي وَهْمُ ادِّعَائي؟!

فَمَنْ يَصِفُ التَّمَلُّقَ بِانْحِطَاطٍ ... وَهَا أَنَذَا أُحَلِّقُ في السَّمَاءِ؟!

وَخَلْفِي سَافِلٌ أَحْرَزْتُ مِنْهُ ... فُنُوْنَ المَذْقِ وَالقَوْلِ الهُرَاءِ

فَنِلْتُ بِهِ الذي لَمْ يَسْتَطِعْهُ ... فَيَا لِلَّهِ مَا أَقْوَى دَهَائي

أُبَادِئُهُ السِّبَابَ وَلَيْسَ يُبْدِي ... لِوَقْعِ بَذَاءَتِي أَيَّ اسْتِيَاءِ

وَلَوْ أَعْمَلْتُ كَفِّي في قَفَاهُ ... لَبَادَرَنِي بِأَنْوَاعِ الدُّعَاءِ

فَأَسْأَلُكُمْ بِرَبِّي هَلْ رَأَيْتُمْ ... كَأَبْشَعَ مِنْ وُصُوْلِيٍّ وَرَائي؟

ـ[المسيطير]ــــــــ[25 - 02 - 09, 06:06 ص]ـ

2 – «أَبْطَأُ مِنْ قَاض»

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير