تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[المسيطير]ــــــــ[25 - 02 - 09, 06:07 ص]ـ

3 – «أَبْلاَهُ مُسْتَوْصَفٌ خُصُوْصِيّ»

وهوَ مَثَلٌ يُقَالُ في المُطْرِقِ السَّاهي، وقَدْ دَهَتْهُ مِنْ دُنْيَاهُ الدَّوَاهي، وصَارَ لِشِدَّةِ مَصَائبِه، يَنْتِفُ أَطْرَافَ شَوَارِبِه، وعَيْنَاهُ في المَدَى مُحَمْلِقَتَان، وعَلَى شَفَتِهِ يَتَدَلَّى اللِّسَان، والمُسْتَوْصَفُ الخُصُوْصِيُّ مَصْيَدَة، ظَاهِرُهُ الرَّأْفَةُ وبَاطِنُهُ المَنْكَدَة، يَمْتَصُّ أَمْوَالَ المَسَاكِيْن، ويَقْطَعُ مِنْهُمْ بِسِكِّيْن، الدَّاخِلُ إلَيْهِ مَخْدُوْع، والخَارِجُ مِنْهُ مَفْجُوْع، يُظْهِرُ في الصَّحِيْحِ العِلَل، ويُدْنِي مِنَ العَلِيْلِ الأَجَل.

وأَصْلُ المَثَلِ أَنَّ رَجُلاً قَرَصَتْهُ نَمْلَة، ولَمْ تُصِبْهُ مِنَ القَرْصَةِ أَيَّةُ عِلَّة، فوَسْوَسَ لَهُ أَصْحَابُهُ الخَوَاصّ، بِمُرَاجَعَةِ المُسْتَوْصَفِ الخَاصّ، وذَلِكَ لِسُرْعَتِهِ في إنْجَازِ المَهَامّ، ولِكَثْرَةِ ازْدِحَامِ المُسْتَوْصَفِ العَامّ، وأَوْصَوْهُ بِتَضْمِيْدِ مَكَانِ القَرْصَة، وأَلاّ يَتْرُكَ لِعَوْدَةِ الأَلَمِ فُرْصَة، فوَثَبَ الرَّجُلُ إلى المَكَانِ المُشَارِ إلَيْه، ودَفَعَ أُجْرَةَ التَّضْمِيْدِ والكَشْفِ عَلَيْه، ثُمَّ أَشْخَصُوْهُ إلى طَبِيْبٍ أَقْرَع، لِلْفَهْلَوَةِ في وَجْهِهِ مَرْتَع، وعَلَيْهِ نَظَّارَةٌ سَمِيْكَة، والشَّهَادَاتُ تَمْلأُ شَبَابِيْكَه، فلَمَّا رَأَى القَرْصَةَ وَلْوَل، واسْتَدْعَى مُسَاعِدِيْهِ واسْتَعْجَل، وأَمَرَ بِنَقْلِهِ إلى غُرْفَةِ الإسْعَاف، وطَلَبَ مِنَ الرَّجُلِ بِطَاقَةَ الصَّرَّاف، ثُمَّ شَدَّ حِزَامَ البِنْطَال، واقْتَرَبَ مِنْهُ وقَال:

لَقَدْ رَأَيْتُ وَرَبِّنا المَعْبُوْد، بِعَيْنِي التي سَيَأْكُلُها الدُّوْد، قَرْصَةً لَمْ أَرَ مِثْلَهَا عَلَى الإطْلاق، ولا أَعْرِفُ أَخْطَرَ مِنْها عَلَيَّ الطَّلاق، ولِذا سَنُجْرِي لَكَ التَّحَالِيْلَ الفَوْرِيَّة، ونُخْضِعُكَ لِبَعْضِ الأَشِعَّةِ المَقْطَعِيَّة، فإنْ كَانَتِ النَّتِيْجَةُ كَمَا في البَال، فلا بُدَّ فَوْراً مِنَ الاسْتِئْصَال، وسَنَقُصُّ أَوَّلاً إصْبَعَكَ المَقْرُوْص، فإنِ انْتَقَلَتِ العَدْوَى مِنَ المَقْصُوْص، فوَالكَعْبَةِ الشَّرِيْفَةِ والمُصْحَف، لا بُدَّ مِنِ اسْتِئْصَالِ الكَفّ، وقَدْ نَسْتَأْصِلُ أَعَلَى السَّاعِد، والبِنْكِرْيَاسَ والكَبِدَ الزَّائد، ورُبَّمَا اضْطُرِرْنا إلى بَتْرِ رِجْلَيْك، وقَدْ نَنْزِعُ إحْدَى كُلْيَتَيْك، فوَقِّعْ عَلَى وَرَقَةِ المُوَافَقَة، وهُنَا عَلَى الفَاتُوْرَةِ المُرَافِقَة، وبِحَقِّ ما أَكَلْنَاهُ مِنْ عَيْشٍ ومِلْح، إنَّ هَدَفَنا العِلاجُ ولَيْسَ الرِّبْح، فإنْ أَخَذَتْكَ بِالشَّكِّ لَجَاجَة، فإنَّ الفُلُوْسَ آخِرُ حَاجَة، ومِثْلُكَ نَرْفَعُهُ عَلَى الرُّؤوْس، ونُعَالِجُهُ مِنْ غَيْرِ فُلُوْس، ولَكِنَّهُ ثَمَنُ الدَّوَاءِ وغُرْفَةِ الإنْعَاش، وقِيْمَةُ ما سَنَنْسَاهُ فِيْكَ مِنْ شَاش.

فوَقَّعَ المِسْكِيْنُ عَلَى الأَوْرَاق، وهوَ بَيْنَ الذُّهُوْلِ والإشْفَاق، فلَمَّا أُجْرِيَتْ لَهُ العَمَلِيَّات، وأَفَاقَ مِنْ خَدَرِ الإغْمَاءات، شَخَصَ بِعَيْنِهِ اليُسْرَى، حَيْثُ لَمْ يَجِدِ الأُخْرَى، فَصَوَّبَ عَيْنَهُ الشَّاخِصَة، ووَجَدَ جُثَّتَهُ نَاقِصَة، القُطْنُ يَمْلأُ كُوْعَه، وسَاقُهُ اليُمْنَى مَقْطُوْعَة، ورِجْلُهُ اليُسْرَى مَشْلُوْلَة، وإحْدَى أُذُنَيْهِ مَنْشُوْلَة، وضِرْسُهُ الصِّنَاعِيُّ مُنْتَهَب، إذْ كَانَ مَصْنُوْعاً مِنْ ذَهَب، وشَعَرَ أَنَّ بَطْنَهُ بَادِي الارْتِخَاء، لِكَثْرَةِ ما سُلِبَ مِنْهُ مِنْ أَعْضَاء، وبَيْنَمَا هُوَ يَفْحَصُ المَسَالِك، ويَتَحَقَّقُ مِنْ وُجُوْدِها هُنَالِك، إذْ دَخَلَ عَلَيْهِ الطَّبِيْبُ المُحْتَال، وبَارَكَ لَهُ عَلَى تَحَسُّنِ الحَال، ووَصَفَ لَهُ عِلاجَاتٍ وَافِرَة، ودَلَّهُ عَلَى الصَّيْدَلِيَّةِ المُجَاوِرَة، فأَخَذَ الرَّجُلُ يَبْكِي مِنَ البَلْوَى، ويَتَوَعَّدُ الطَّبِيْبَ بِالوَيْلِ والشَّكْوَى، فرَمَقَهُ الطَّبِيْبُ وابْتَسَم، ونَاوَلَهُ الوَرَقَةَ والقَلَم، وقَالَ: أُوْصِيْكَ بِحُسْنِ الصِّيَاغَة، ومُرَاعَاةِ قَوَاعِدِ النَّحْوِ والبَلاغَة، وإنْ شِئتَ التَّقْوِيْم، فأَنا مُدَرِّسٌ قَدِيْم.

فلَمْ يَمْلِكِ الرَّجُلُ إلاّ أَنِ اسْتَدْعَى ذَوِيْه، فأَخْرَجُوْهُ حَامِلِيْنَ ما بَقِيَ فِيْه، وتَأَمَّلَ مَرَّةً أُخْرَى أَوْصَالَه، فأَنْشَدَ وهوَ عَلَى النَّقَّالَة:

إلَيْكَ يَا خَالِقِي شَكَاةً ... مِنْ مُدِّعِي الطِّبِّ وَاللُّصُوْصِ

أَتَيْتُهُمْ طَالِباً ضَمَاداً ... فَعَوَّقُوْنِي عَنِ الخُلُوْصِ

وَأَشْخَصُوْنِي إلى طَبِيْبٍ ... وَيْلاهُ مِنْهُ وَمِنْ شُخُوْصي

غَالَى بِإرْجَافِهِ فَتَبّاً ... لِشَارِبٍ مِنْ دَمِي مَصُوْصِ

وَكَانَ في رَأْسِهِ بَرِيْقٌ ... كَأَنَّهُ لَمْعَةُ الفُصُوْصِ

مَنْ صَدَّقَ القُرْعَ فَهْوَ شَخْصٌ ... –لا شَكَّ– مِنْ أَحْمَقِ الشُّخُوْصِ

عَرَّى أَكَاذِيْبَهُمْ ثِقَاتٌ ... وَذَمَّهُمْ ثَابِتُ النُّصُوْصِ

وَحَذَّرَتْ مِنْهُمُ الوَصَايَا ... وَحَالَتِي بِالحِذَارِ تُوْصي

قَدْ كُنْتُ مِنْ قَبْلُ مُسْتَصِحّاً ... وَالآنَ أَصْبَحْتُ عُوْدَ خُوْصِ

أَسْعَى بِنَقَّالَتِي حَثِيْثاً ... كَأَنَّنِي أَمْتَطِي قَلُوْصي

يَقُوْلُ مَنْ رَاعَهُ بَلائي: ... أَبْلاَهُ مُسْتَوْصَفٌ خُصُوْصي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير