تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[المسيطير]ــــــــ[25 - 02 - 09, 06:08 ص]ـ

4 – «أَجْوَرُ مِنْ أُنْثَى عَلَى أُنْثَى»

وهوَ مَثَلٌ يُقَالُ في كثيرِ الظُّلْمِ عظيمِه، وفي كارِهِ قَرِيْبِهِ وحَمِيْمِه، ولِمَنْ يَزْدَادُ ظُلْمُهُ عَلَى فِئات، ويَلِيْنُ لَدَى أُخْرَى كَالشَّاة، وأُفْرِدَتِ الأُنْثَى بِصِفَةِ الجَوْر، لأنَّ كَيْدَها أَبْعَدُ في الغَوْر، كَمَا أنَّ جَوْرَ الإنَاثِ عَلَى الإنَاث، لَهُ وَقَائعُ ثَابِتَةٌ في التُّرَاث.

وأَصْلُ المَثَلِ أنَّ رَجُلاً تَزَوَّجَ زِيْجَةً رَابِعَة، منْ فَتَاةٍ تَدْرُسُ في الجَامِعَة، فكَانَتْ تَشْكُو لَهُ طَيْشَ العَامِلات، مِنْ مُوَظَّفَاتٍ ومُعَلِّمَات، وكَانَتْ تَدْعُو أنْ يَصِيْرَ الأَمْرُ إلى الرِّجَال، لِمَا تَرَاهُ مِنْ رَأْفَتِهِمْ عَلَى كُلِّ حَال، أَوْ أَنْ يُوَلَّى مِثْلُها عَلَيْهِنّ، لِيَتَمَيَّزَ لُطْفُهَا مِنْ بَيْنِهِنّ.

فشَاءَ ذُو المَنِّ وَالإحْسَان، أنْ تَكُوْنَ مِنْ مَنْسُوْباتِ المَكَان، فسَارَتْ عَلَى سِيْرَةِ المَوَائل، وجَاءتْ بِمَا لَمْ يَأْتِ بِهِ الأَوَائل، فأَسَاءتِ المُعَامَلات، وفَتَكَتْ بِالطَّالِبَات، وبَلَغَ زَوْجَها ما هِيَ فِيْهِ مِنْ سُفُوْل، فأَنْشَأَ مِنْ فَوْرِهِ يَقُوْل:

رَثَيْتُ لَهَا إذْ طَالَ بَوْحُ شَكَاتِها ... مِنَ الغَبْنِ، وَالمَغْبُوْنُ لا بُدَّ أن يُرْثَى

تُسَائلُ مَوْلاهَا بِأَنْ يَرْفَعَ الأَذَى ... وَيَكْبِتَ عَنْهَا نِسْوَةً زِدْنَهَا بَثّا

تَقُوْلُ: لَوِ المَوْلَى اصْطَفَانِي مُعِيْدَةً ... لَحَرَّمْتُ هَذا الجَوْرَ وَالكَيْدَ وَالخُبْثا

وَكُنْتُ أُسَلِّيْهَا بِعُقْبَى اصْطِبَارِها ... وَأَبْعَثُ فِيْها الفَأْلَ –مِنْ طِيْبَتِي– بَعْثا

فَلَمَّا مَضَتْ أَيَّامُهَا وَتَخَرَّجَتْ ... أَفَاضَ عَظِيْمُ الجُوْدِ فَضْلاً عَلَى الغَرْثَى

فَأَخْفَتْ شَكَاوَاها، وَأَبْدَتْ شُرُوْرَهَا ... وَرَاحَتْ تَبُثُّ اللُّؤْمَ مِنْ حَوْلِهَا بَثّا

فَقُلْتُ –وَقَدْ أُخْبِرْتُ عَنْ بَعْضِ جَوْرِهَا–: ... هُوَ الجَوْرُ قَدْ حَازَتْهُ مِنْ جِنْسِهَا إرْثا

وَقَدْ صَدَقُوا .. لا شَيْءَ أطْيَشُ مِنْ فَتى ... وَأَجْوَرُ مِنْ أُنْثَى لَجُوْجٍ عَلَى أُنْثَى

ـ[المسيطير]ــــــــ[25 - 02 - 09, 06:09 ص]ـ

5 – «أَحْمَقُ مِنْ بِرُقْرَاط»

وهوَ مَثَلٌ يُقَالُ فِيْمَنْ أَعْيَاهُ البَلَه، وظَنَّ أَنَّهُ في الحِذْقِ لا مَثِيْلَ لَه، وبِرُقْرَاطُ رَجُلٌ مِنَ الأَوَائل، وَلاَّهُ السُّلْطَانُ بَعْضَ الشَّوَاغِل، وكانَ كَثِيْرَ الوَسْوَسَةِ والتَّعْقِيْد، مَرَّ بِهِ في عَمَلِهِ العُمْرُ المَدِيْد، ولَمْ يُنْجِزْ شَيْئاً ذَا قِيْمَة، ولَمْ تَكُنْ سِيْرَتُهُ قَوِيْمَة، وهوَ مُؤَسِّسُ اللِّجَانِ الفَرْعِيَّة، وإلَيْهِ تُنْسَبُ النَّظَرِيَّةُ البِيْرُقْرَاطِيَّة.

وأَصْلُ المَثَلِ أَنَّ كَاتِباً لَدَى بِرُقْرَاط، عُرِفَ عَنْهُ الإخْلاصُ والنَّشَاط، وحَدَثَ أَنِ انْتَهَى حِبْرُ دَوَاتِه، ولَمْ يَسْتَطِعْ إنْجَازَ مَهَمَّاتِه، فعَرَضَ مُشْكِلَتَهُ عَلَى مُدِيْرِه، فعَنَّفَهُ عَلَى إهْمَالِهِ وتَبْذِيْرِه، ورَفَضَ أَنْ يُزَوِّدَهُ بِمَا أَرَاد، وأَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ ثَمَنَ المِدَاد، وأَحَالَ طَلَبَهُ إلى اللِّجَان، ومَرَّ عَلَى البَتِّ فِيْهِ عَامَان، وطَوَالَ مُدَّةِ البَتِّ في الطَّلَب، لَمْ يُنْجِزِ الكَاتِبُ ولا كَتَب، وظَلَّ عَلَى مَكْتَبِهِ كُلَّ نَهَار، يَنْتَظِرُ ما يُسْفِرُ عَنْهُ القَرَار، ثُمَّ صَدَرَ القَرَارُ الحَاسِم، مُوْصِياً بِمَنْحِ ثَلاثَةِ دَرَاهِم، وأَنْ تُشْرِفَ لَجْنَةٌ عَلَى الكَاتِب، ولَجْنَةٌ أُخْرَى عَلَيْها تُرَاقِب، عَلَى أَنْ تُحَقِّقَ لَجْنَةٌ مَعَهُ بِشِدَّة، لِكَوْنِهِ لَمْ يُنْجِزْ طَوَالَ تِلْكَ المُدَّة.

ولَمَّا انْتَهَتِ المُسَاءلَةُ والإجْرَاءات، شَرَعَ الكَاتِبُ في إنْجَازِ المُعَامَلات، فمَرَّتْ عَلَيْهِ حِسَابَاتُ اللِّجَان، فذُهِلَ مِنْ تَكَالِيْفِها عَالِيَةِ الأَثْمَان، وكَيْفَ أَنَّ صَرْفَ بِضْعَةِ دُرَيْهِمَات، كَلَّفَ الخَزِيْنَةَ الآلافَ والمِئات، فحَمَلَ نَفْسَهُ وكُلُّهُ إحْبَاط، ودَخَلَ عَلَى مُدِيْرِهِ بِرُقْرَاط، وأَنْشَدَهُ وهوَ بَيْنَ عِصَابَتِه، وفي يَدِهِ وَرَقَةُ اسْتِقَالَتِه:

بِرُقْرَاطُ اسْتَمِعْ مِنِّي فَإنِّي ... رَأَيْتُكَ أَحْمَقَ الآرَاءِ خِبّا

عَلَى أَنِّي عَلِمْتُكَ لا تُبَالِي ... وَلا تَرْجُو مِنَ الآسِيْنَ طِبّا

وَلَكِنِّي سَأُسْمِعُكَ احْتِقَانِي ... وَأَشْفِي مِنْكَ قَافِيَةً وَقَلْبا

سِنُوْنَ مَضَتْ وَأَنْتَ تَظُنُّ وَهْماً ... بِأَنَّكَ أَكْمَلُ الأَقْوَامِ لُبّا

وَلَسْتَ سِوَى غَبِيٍّ حَالَفَتْهُ ... حُظُوْظٌ فَارْتَقَى في الأَمْرِ صَعْبا

فَعَطَّلْتَ المَصَالِحَ في لِجَانٍ ... تُصَيِّرُ أَسْمَحَ الحَاجَاتِ كَرْبا

تَمُرُّ بِهَا السِّنُوْنَ ولا نَجَازٌ ... فَكَمْ خَصْبٍ بِهَا قَدْ صَارَ جَدْبا

أَمِنْ أَجْلِ اعْتِمَادِ دُرَيْهِماتٍ ... تُبِيْحُ خَزِيْنَةَ السُّلْطَانِ نَهْبا؟!

تُقِرُّ لَهَا الدَّرَاهِمَ وَافِرَاتٍ ... وَفي إقْرَارِ نَزْرِ المَالِ تَأْبى؟!

وَتُصْدِرُ في مُعَاقَبَتِي قَرَاراً ... كَأَنِّي جِئْتُ في التَّأْخِيْرِ ذَنْبا؟!

فَلَوْ يَدْرِي بِكَ السُّلْطَانُ يَوْماً ... لَجَرَّكَ في حِبَالِ السُّخْطِ كَلْبا

فَخُذْ مِنِّي مَقَالاً سَوْفَ يَبْقَى ... وَيَذْهَبُ في الوَرَى شَرْقاً وَغَرْبا:

وَرَبِّي لَمْ يَكُنْ في النَّاسِ حَمْقَى ... بِأَحْمَقَ مِنْ بِرُقْرَاطٍ وَأَغْبَى

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير