[قصة الكميت عندما استجار بمسلمة بن عبدالملك والقصيدة المشهورة]
ـ[ابن فرات]ــــــــ[10 - 04 - 09, 11:52 م]ـ
كان الكميت بن زيد يمدح بني هاشم ويعرض ببني أمية فطلبه هشام فهرب منه عشرين سنة لا يستقر به القرار من خوف هشام وكان مسلمة بن عبد الملك له على هشام في كل يوم حاجة يقضيها له، وبينما مسلمة في يوم من الأيام خارجا إلى بعض صيوده أتى الناس يسلمون عليه وأتاه الكميت بن زيد فيمن أتى فقال: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته أما بعد:
قف بالديار وقوف زائر وتأن إنك غير صاغر
حتى انتهى إلى قوله:
يا مسلم بن أبي الوليد لميت إن شئت ناشر
علقت حبالي من حبا لك ذمة الجار المجاور
فالآن صرت إلى أمية والأمور إلى المصاير
والآن كنت به المصيب كمهتد بالأمس حائر
فقال مسلمة: سبحان الله من هذا الهندكي الجلحاب الذي أقبل من أخريات الناس فبدأ بالسلام ثم أما بعد ثم الشعر قيل له: هذا الكميت بن زيد.
فأعجب لفصاحته وبلاغته فسأله مسلمة عن خبره وما كان فيه طول غيبته فذكر له سخط أمير المؤمنين عليه فضمن له مسلمة أمانه وتوجه به حتى إلى هشام، فقال لي عليك حاجة يا أمير المؤمنين قال هي مقضية الا ان يكون الكميت، قال لا تستثني علي شيء ومالي والكميت، قال هي مقضية فأدخل عليه الكميت ثم سلم وخطب خطبة بليغة ارتجلها:
فقال الكميت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله بركاته - الحمد لله - قال هشام: نعم الحمد لله يا هذا - قال الكميت: مبتدئ الحمد ومبتدعه والذي خص بالحمد نفسه وأمر به ملائكته وجعله فاتحة كتابه ومنتهى شكره وكلام أهل جنته أحمده حمد من علم يقيناً وأبصر مستبيناً وأشهد له بما شهد به لنفسه قائماً بالقسط وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده العربي ورسوله الأمي أرسله والناس في هبوات حيرة ومدلهمات ظلمة عند استمرار أبهة الضلال فبلغ عن الله ما أمر به ونصح لأمته وجاهد في سبيله وعبد ربه حتى أتاه اليقين. ثم إني يا أمير المؤمنين تهت في حيرة وحرت في سكرة إدلأم بي خطرها وأهاب بي داعيها وأجابني غاويها فاقطوطيت إلى الضلالة وتسكعت في الظلمة والجهالة حائداً عن الحق قائلاً بغير صدق فهذا مقام العائذ ومنطق التائب ومبصر الهدى بعد طول العمي. ثم يا أمير المؤمنين كم من عاثر أقلتم عثرته ومجترم عفوتم عن جرمه. فقال له هشام وأيقن أنه الكميت: ويحك! من سن لك الغواية وأهاب بك في العماية قال: الذي أخرج أبي آدم من الجنة فنسي ولم يجد له عزماً وأمير المؤمنين كريح رحمة أثارت سحاباً متفرقاً فلفقت بعضه إلى بعض حتى التحم فاستحكم وهدر رعده وتلألأ برقه فنزل الأرض فرويت واخضلت واخضرت وأسقيت فروي ظمآنها وامتلأ عطشانها فكذلك نعدك أنت يا أمير المؤمنين أضاء الله بك الظلمة الداجية بعد العموس فيها وحقن بك دماء قوم أشعر خوفك قلوبهم فهم يبكون لما يعلمون من حزمك وبصيرتك وقد علموا أنك الحرب وابن الحرب إذا حمرت الحدث وعضت المغافر بالهام عز بأسك واستربط جأشك مسعار هتاف وكاف بصير بالأعداء مغزي الخيل بالنكراء مستغن برأيه عن رأي ذوي الألباب برأي أريب وحلم مصيب فأطال الله لأمير المؤمنين البقاء وتمم عليه النعماء ودفع به الأعداء.
ثم أنشد القصيدة كاملة:
قف بالديار وقوف زائر وتأنى إنك غير صابر
ماذا عليك من الوقوف بهامد الطللين دائر
درجت عليها الغاديات الرائحات من الأعاصر
يامسلم ابن ابي الوليد لميت ان شئت ناشر
علقت حبالي من حبالك ذمة الجار المجاور
كم قال قائلكم لعلك عند عثرته لعاثر
وغفرتم لذوي الذنوب من الأكابر والأصاغر
أبني أمية إنكم أهل الوسائل والأوامر
ثقتي لكل ملمة وعشيرتي دون العشائر
أنتم معادن للخلافة كابراً من بعد كابر
بالتسعة المتتابعين خلائفاً وبخير عاشر
وإلى القيامة لا تزال لشافع منكم وواتر
فالآن صرت الى أمية والأمور إلى المصائر
والآن صرت بها المصيب كمهتدٍ بالأمس حائر
(وهنا جعل هشام يغمز مسلمة بقضيب في يده ويقول اسمع اسمع)
يابن العقائل للعقائل والجحاجحة الأخاير
من عبد شمس والأكابر من أمية فالأكابر
إن الخلافة والإلاف برغم ذي حسد وصاغر
دلفا من الشرف التليد إليك بالرفد الموافر
فحللت معتلج البطاح وحل غيرك بالظواهر
ماذا عليك من الوقوف بها وإنك غير صاغر
فأمر له هشام بجائزة ورضي عنه
علما بأن هذه القصة لها أكثر من رواية