تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد يغني عن الباء ما يؤدي معناها، كقوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} وقد تحذف مع مجرورها، كقوله تعالى: {وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} أي بكم. وربما جرّ الحاصل بالباء والمتروك بمن عند قصد التعوّض، ومنه قول المعري:

إذا الفتى ذَمَّ عَيْشاً في شَبيبتِه فما يقولُ إذا عَصْرُ الشَّباب مضى

وقد تعوَّضْتُ مِنْ كُلً بمشبهه فما وجدت لأيّامِ الصبا عوضا

ومنه قول القائل يرثي ابناً صغيراً.

تعوّضَ بالحجارَةِ مِنْ حُجُور وبانَ عن الُّترْيبِ إلى الُّترابِ

ومن أبيات الحماسة:

وهَلْ هي إلا مِثْلُ عِرْسٍ تبَدّلتْ على رَغْمِها مِنْ هاشمٍ في مُحارب

يعني أنها نكحت في هاشم وفارقتهم فنكحت في محارب.

وجاء بـ"في" في موضع الباء لمقاربة ما بينهما، والفعل في هذا الوجه مطاوع الفعل في الوجه الذي قبله. تقول: أبدلت الشيء بالشيء، فتبدَّله.

فهذه أربعة أوجه على أربعة مقاصد، تتعيّن الباء في المقصد الأوّل المعوّض الحاصل، ويجوز دخولها عليه في بعض المواضع في الثالث والرابع على ما ظهر من التفصيل.

ثم قد يمكن ردّ ما ذكر من أمثلة الباء في الوجه الثاني إلى الوجه الثالث بحذف المفعول الأول، كأنه قال في بيت امرىء القيس: سنبدل محلك من نفوسنا إن أبدلت موضعنا من نفسك. وكأنه قال في بيت معن بن أوس:

وبدَّلَ سُوءاً بالذي كان يَفْعَلُ

ومما يحتمل التنزيل على الوجهين الأول والثاني قوله تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ}. قال الزمخشري: أي وضعوا مكان "حطة" قولا غيرها. فأشار معنى الوجه الثاني. كما قال تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ}. وقال الغزنوي: "قولا" مفعول ثانٍ، أو قالوا قولا. فأرشد بجعله مفعولا ثانيا إلى كونه داخلا في الوجه الأولّ، بحذف أول المفعولين اختصاراً. ويكون هذا الثاني على إضمار الباء أو دونها، أي بدّلوا القول الذيِ أمروا به بقول غيره، أو بدّلوا القول قولا غيره، كما قال تعالى: {بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً}.

وأرشد بجعله على إضمار فعل والقول إلى أنهما كلامان بتفصيل بعد إجمال، أي بدّلوا وغيّروا قالوا قولا غير الذي قيل لهم. فإن اطرد التأويل فيما يجد من أمثلة الباء في الوجه الثاني خرج ذلك عن مداخل الباء.

ثم يتعلق بهذه الأوجه مسألة في الإبدال والتبديل بالنظر إلى افتراقهما أو اتفاقهما في المعنى. وقد فرّق ثعلب بينهما فقال: الإبدال: تنحية جوهرة واستئناف أخرى. وأنشد لأبي النجم:

عَزْلَ الأَمير لِلأْمير المُبْدَلَ

قال: ألا تراه نحّى جسماً وجعل مكانه آخر. والتبديل: تغيير الصورة إلى غيرها والجوهرة بعينها وهو نحو قول الفرّاء، قال في التفسير بدّلت معناه غيّرت، وكل ما غيّر عن حاله فهو مبدَّل، بالتشديد، وقد يجوز بالتخفيف، وليس بالوجه. وإذا جعلت الشيء مكان الشيء قلت أبدلته، كقولك: أبدل هذا الدرهم، أي أعطني مكانه، وبدّلْ جائز فهما متقاربان.

قال الفارسي: "بدّل وأبدل متقارِبان كنزّل وأنزل. وقال في تفرقة من فرَّق ليست بشيء. قال تعالى: {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً} فالخوف ليس بقائم في حال الأمان، يريد على قراءة التثقيل. وقد تأوّلها الفراء على معنى: يجعل سبيل الخوف أمنا.

وقال الزمخشري في قوله تعالى: {بدَّلوا نِعْمةَ اللهِ كُفْراً} أي شُكْر نعمة الله لما وضعوا الكفر مكان الشكر الذي وجب عليهم، فكأنهم غيّروا الشكر إلى الكفر وبدّلوه تبديلا. يعني إنّ ما يقوم مقام الشيء بأن يجعل محله كأنه هو بضرب من التغيير.

وذكر المطرّز عن ثعلب عن سلمة بن عاصم النحوي عن الفراء: أبدلت الخاتم بالحلقة إذا نحيت هذا وجعلت هذا مكانه. وبدّلت الخاتم [بالحلقة]، إذا أذبته وسويته [حلقة]، وبدّلت الحلقة بالخاتم إذا أذبتها وجعلتها خاتماً. قال ثعلب: وحقيقته أن بدّلت إذا غيّرت الصورة إلى صورة غيرها والجوهرة بعينها. وأبدلت إذا نحيت الجوهرة وجعلت مكانها جوهرة أخرى، ومنه قوله:

نحَّى السَّديس وانْتحى لِلْمعدلِ عَزْلَ الأمير للأمير المُبْدَلِ

قال: ألا ترى أنه قد نحّى جسما وجعل مكانه جسماً غيره.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير