تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فجاء توقيع المهدي –وهو من خلفاء العصر الذهبي العباسي- جاء كأنه مصادقة الخليفة على حكم وضعي يتمشى مع حكم إلهي، فهو بمثابة تطبيق لشريعة الله في أرضه.

كلمات موجزة ولكنها تتضمن معان عميقة، لا يدركها إلا أصحاب العقول الكبيرة.

4 - "خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين" الأعراف 199.

وبعث إليه عامل أرمينية، يشكو إليه سوء طاعة الرعية، فوقع إليه بقوله: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين" فهذا الإيجاز وإن كان اقتباساً من القرآن الكريم، إلا أنه يضع الحلول للمسائل التي شكا منها عامل أرمينية، وهي باختصار شديد يبين به المهدي أن سوء ما شكا به حاكم أرمينيا، سببه حرفية الحكم، وحيفه في تطبيق النظام، وعدم المرونة في تسيير دفة الحكم، وهذا أصبح علماً بذاته، ومهما اجتهد بهذا العلم، تبقى هناك أمور كأنها قواعد أخلاقية لإدارة الشعوب ومنها:

- العفو عند المقدرة، فليس المهم المحاسبة على الأخطاء، ولكن الأهم من ذلك، الوقاية من الوقوع في هذه الأخطاء، والعفو عن المسيء، واستئصال الإساءة من قلبه، فلا يعود إليها.

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإعراض عن الجاهلين، من شيم النفوس العزيزة والأخلاق الفاضلة، والقيم النبيلة –والتي تمثل خلق المسلم- وبمثل ذلك تساس الرعية.

وكلنا نعرف شعرة معاوية ابن أبي سفيان –التي ما انقطعت بينه وبين خصومه، ساس بلاده بالحلم والروية، وعفا عند المقدرة، واتسع صدره للأحنف بن قيس، وأعطى الهدايا، وأعرض عن الجاهلين، فكسب قلوب العامة والخاصة، فجاءت سيرته عطرة، وشاد حضارة لا تفنى، وأرسى قواعد الدين الإسلامي الذي لا يتزعزع، "المسلم أخو المسلم" "كلكم لآدم وآدم من تراب" وجميعها أحاديث صحيحة وردت في الصحيحين.

5 - داو جرحك لا يتسع ..

ووقع الخليفة الرشيد إلى صاحب خراسان، وقد بدا تذمر الناس عليه: داوِ جرحك لا يتسع، وقد يغني التلميح عن التصريح، فهذا التلميح يطلب به أمير المؤمنين من واليه في خراسان، أن يقوّم ما اعوجّ من حكمه، قبل أن يؤدي اعوجاجه هذا إلى كسره وعزله، فاستعار الجرح كنابة عن الخلل في طريقه الحكم، فإن ترك الجرح بدون دواء، تجثم والتهب وتسبب بالتسمم لسائر أعضاء الجسم، فيهزل ويمرض وربما يموت.

كذلك فإن الحكم يكون بالعدل والتسامح والحزم بدون شدة، ولين بدون ضعف، فأي خلل بهذا الدستور، يختل التوازن بهذا الحكم، فإن اختل توازن الحكم اعتلت صحته وبالتالي تتسع دائرة العصيان عليه، فإذا هي ثورة جامحة، تتقد وتحرق بنيرانها الحاكم، والأبرياء من الناس.

هذه وصية أمير، هي كالدواء لداء إن لم يعالج استفحل وفتك بأهله.

6 - أنبتتهم الطاعة، وحصدتهم المعصية ..

وقيلت بحق البرامكة، وهم أسرة، وصلت إلى أعلى قمة المجد والثراء، فكان منها الوزراء والحكام ورؤساء البلاط، في عهد الخليفة هارون الرشيد، وأصل هذه الأسرة من بلاد فارس، استطاعت بدهائها، وعدل هارون، أن تصل إلى بلاط الرشيد، وأن تكون الآمرة الناهية في تصريف الكثير من أمور الدولة.

ولما استقر بهم الحال أخذتهم جذوة الحكم، وثارت في نفوسهم بذور الشر، وتأصلت فيهم نذالة الفرس، فجاروا في الحكم، وطمعوا في السلطة، وظلموا الرعية، وامتدت أيديهم إلى أملاك المسلمين فنهبوها، واستولوا عليها، وإلى خزانة بيت المال فأفرغوها، وإلى حضرة أمير المؤمنين فشاركوه السلطة، وطمعوا بالاستيلاء عليها، فسارع الرشيد إلى القضاء على هذه الأسرة، بعد أن استفحل شرها، وأيقن بعلاقة هذه الأسرة بالمجوسية، وعبادة النار ونشر الفساد، فقال جملته المشهورة عنهم "أنبتتهم الطاعة وحصدتهم المعصية" ..

أي توصلوا إلى المجد بالطاعة وقضي عليهم حين عصوا أوامر الله ورسوله وأولي الأمر مصداقاً لقوله تعالى: "ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين" المنافقون 8.

وقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم".النساء 59.

7 - كثر شاكوك .. وقل شاكروك ..

ووقع الخليفة المأمون –المشهور بالعلم والفصاحة- التوقيع السابق في قصة عامل كثرت منه الشكوى، والمأمون بهذا التوقيع يذكر عامله بما بلغه من كثرة الشاكين وقلة الراضين عنه، فإن كثرت الشكوى على الولاة دلت على أنه غير كفؤ للولاية، والأجدر به أن يعتذر عن مواصلة الحكم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير