تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

منهما يؤلِّف معَ مثلِه بناءً تامًّا، قائمًا بنفسِه. ثم كثُرَ هذا في كلامِهم، حتى أصبحَ حقيقةً عُرفيَّةً؛ فلذلك يمتنعُ أن تقولَ: (هذه عضوة)، لأنك تكونُ شبهتَها بالعضوةِ. وليسَ ذلكَ من كلامِ العربِ.

فإن قلتَ:

أحملُها على معنَى المشتقِّ، كما قالُوا: (مررتُ برجلٍ أسدٍ أبوه)؛ أي: شجاع، و (شربتُ ماءً عسلاً طعمُه)؛ أي: شديد الحلاوةِ.

قلتُ:

لو سلَّمنا أنّ هذا مقيسٌ، لم نُسلِّمْ أنَّه يؤنّثُ إذا أسنِدَ إلى مؤنّثٍ، أو كانَ وصفًا له؛ إذ لم يردْ في كلامِهم مثلُ هذا. ذلكَ أنَّه وإن ضُمّنَ معنى المشتقِّ، فإنه باقٍ على إرادةِ التشبيهِ؛ ألا ترَى أنّ معنى قولِك: (هذا رجلٌ حديدٌ) هو: (هذا رجلٌ كالحديدِ في الصلابةِ). وممَّا يُثبتُ لكَ امتناعَه أنّا لو أجزناه، لكانَ لكَ أن تقولَ: (مررتُ برجلٍ بدرةٍ أمُّه)، و (هذه امرأة بدرةٌ)؛ أي: جميلة كالبدرِ، كما قلتَ: (هذه امرأةٌ عضوةٌ). وهذا بيِّنُ القبحِ والفسادِ. وممَّا يُثبتُ لك ذلك أيضًا أنك لا تجمعُ (عضوًا) إذا أردتَّ بهِ العاقلَ جمعَ مذكر سالمًا؛ فتقول: (عضوون).

الحالُ الثانية: ألا يبلغَك عن العربِ فيهِ سَماعٌ.

ولا أعرفُ من هذا إلا ما مؤنَّثُه غيرُ حقيقيٍّ. وحكمه أن تلتزمَ تذكيرَه، لأن التذكيرَ هو الأصلُ؛ ولذلكَ يُخطِئ بعضُ الناسِ؛ فيؤنثُ (الكمبيوتر).

فإن قلتَ:

ألا ترَى أنَّه بمعنى (الآلةِ)؟

قلتُ:

ألا ترَى أنتَ كذلكَ أنّه بمعنى (الجَهاز)؟ وليسَ أحدُهما بأولَى من الآخرِ. وإذْ ثبتَ أن العربَ لا تستنِد في تذكيرِ ما كانَ كذلكَ، وتأنيثِه إلى علةٍ بيِّنةٍ، فإنه ليسَ لنا أن نقيسَ على شيءٍ من ذلكَ؛ ألا ترَى أنهم أنثوا (الشمس)، وذكروا (القمر) لغيرِ علةٍ ظاهرةٍ؛ وإن كنتَ لو فتشتَ واجدًا علةً؛ غيرَ أنها علةٌ غيرُ موجبةٍ؛ يبيِّنُ لكَ ذلكَ اختلافُ لغاتِ الأممِ في تذكيرِ ما كانَ كذلكَ وتأنيثِهِ. فلمَّا عدِمنا العلةَ الظاهرةَ، امتنعَ علينا القياسُ، لأنك لا تقيسُ على الشيءِ حتى تعرفَ علتَه.

فإن قلتَ:

لا أقيسُ عليهِ قِياسَ علةٍ؛ ولكن قياسَ شبهٍ؛ أشبِّهُهُ بـ (الآلةِ) من جهةِ المعنَى.

قلتُ:

ليسَ للمحدَثِ أن يقيسَ قياسَ شبهٍ إلا في المواضعِ التي طردتْها العربُ، كالفعلِ المضارعِ؛ إذ شبهوه بالاسمِ؛ فأعربوه؛ ألا تَرى أنه ليس شيءٌ إلا هو يشبه غيرَه من وَّجهٍ، أو وُّجوهٍ؛ فلو أخذنا بالقياسِ في ذلكَ، لأفضَى بنا هذا إلى اضطرابِ الأصولِ، وانتقاضِ عُقدِ القياسِ. ولذلك لو شبهتَ (الكمبيوتر) بـ (الآلةِ)، لأنه أحدُ أفرادِها، للزِمَك أن تشبهَه بـ (الجهاز)، لأنه أحدُ أفرادِه أيضًا؛ فتذكرَه، وتؤنّثَه في حالٍ. وهذا فاسِدٌ. أمَّا خبرُ الأعرابيِّ الذي أنّثَ (الكتاب) حملاً على (الصحيفة)، فشاذ. ولو أجزنا ذلك، لكانَ لكَ أن تذكِّرَ كلَّ مؤنّثٍ، لأنه ليسَ شيءٌ من الموجوداتِ إلا هو يقبلُ أن تُئَوّلَه بمعنى (شيء). وهذا لازمٌ لا يصِحّ؛ وإذا امتنعَ، امتنعَ ملزومُه.

فإذا امتنعَ قياسُ العلة، وقياسُ الشبهِ، وجبَ عليكَ الحملُ على الأصلِ في الأسماءِ؛ وهو التذكير؛ فتُذكرُ لفظَ (الكمبيوتر). ومثلُه أيضًا لفظُ (الإنترنت)؛ فإنه مذكر، وتأنيثُه خطأ.

وبذلك يتبيَّن أنَّ ما سُمِعَ عن العربِ، وجبَ التزامُه، وامتنعتِ الصيرورةُ حينَ إذٍ إلى القياسِ. فأما ما لم يبلغنا عنِ العرب فيه سماعٌ، فإنا نحملهُ على أشبهِ شيءٍ بهِ. ويُخْطِئ من يّظنّ أن الأصلَ في مفرداتِ العربيةِ وأحوالِ أبنيتِها القياسُ؛ بلِ الأصلُ فيها السّماعُ. والقياسُ إنما هو سبيلٌ إلى إدراكِ مذاهبِ العربِ متى ما عُدِم السماعُ.

وبما تقدَّمَ بيانُه يظهرُ أنَّ المجمعَ خلَّطَ بينَ المسائلِ، وجعلَ حُكْمَها واحدًا، معَ أنّ حكم (رئيس) غيرُ حكمِ (أستاذ)، وحكمَ (أستاذ) غيرُ حكم (عضو).

فيصل المنصور


(1): في أصول اللغة 3/ 59، والقرارات النحوية والتصريفية لمجمع اللغة العربية بالقاهرة 508 - 510. وانظر أيضًا: لجام الأقلام لأبي تراب الظاهري 223 - 225، ومعجم أخطاء الكتاب للزعبلاوي 13 - 14، و 404 – 405.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير