كل الرسائل أُحرقتْ أوراقها! (نثر و شعر)
ـ[أبو بكر بن عايد]ــــــــ[18 - 07 - 09, 04:38 م]ـ
كُلُّ الرَّسَائِلِ أُحْرِقَتْ أَوْرَاقُهَا:
من نسج / أبي الكُنى أحمد بن عايدالسويسي
(أبو بكر بن عايد)
تبدلت الأيّامُ من بعد صفوها، فهَجَرَهَا، و غادَرَ يحْملُ حقيبة النسيان، وترك لها جعبةً ممتلئةً بالأحزان و المواجع و الدموع،فقد قضى وطره منها، و لم تعدْ ذات أهميّةٍ لديه، و لم يعدْ يأبه لشأنها!!!
نعم، كان قد تزوجها منذ ستة أشهرٍ فقط، لكنه لم يتزوجها عفّةً و لا لغرضٍ شريفٍ، و لكنه كان عدّاءً وراء شهوته،، ملكته شهوته، و استعبدته، و صارت هي عقيدته، و محركه الذي يقود خطواته، فما أن رآها حتّى سارع إليها، يراودها عن نفسها، فاستعصمت، و تمنّعت، فلما حيل بينه و بينها، قرر أن يجتاز طريقا آخرا، فأتى إليها بيتها، و قرر أن يتزوجها، مضت الشهورُ، و كل يوم يطالعها بجوابٍ آسرٍ، و حديثٍ باهرٍ،يحمل في طياته قلبا مزيفا، يشعُّ كذبا، و ينثر مينا، و لكنّ نشوة الحب أعمت عينها عن أن تبصر حقيقة الأمر، فقد كادت تطيرُ فرحا بهذا الكلام المعسول، الذي ليس إلاّ سمًّا في حقيقته!!!
نعم، ذلك الحب الذي صار لعبةً و خدعةً، في أيدي شباب هذه الأيام، فما أن يرى إحدهنَّ، حتّى يظنُّ أنه يعشقها، و أنه يهيمُ بها و لهًا، وما أن يلتقيها حتى يمطرها بوابل الكلمات، أحبُّكِ و أعشقكِ، و سرعان ما ترفعُ له الفتاة رايتها البيضاء، و تسلمه مفاتيح قلعتها الحصينة المنيعة!!!
و لمّا يعلموا أنّ الحبَّ أسمى من هذا، فالحبُّ هو كيان يتحرك داخل المُحِبِّ، يسري معه في حياته، في حياته كلها، في ليله و نهاره، يؤرقه فلا يستطيعُ نومًا، و لا يسلو إلاّ بحبيبه، و لا طيفٌ يداعبُ خياله إلا طيف المحبوبِ، و كل شيء في حياته تكاد أن تكون هو المحبوب في ذاته، و كل شيء يحبه ليس إلاّ هذا المحبوب، فيملك عقله و فكره، و كل خياله، و يصيرُ بغيته و منيته، و أمله الآمل، و شغله الشاغل، هذه بعض أوصاف الحب الذي لا يعرفه كثيرون في هذه الأيام، بل قل لا يعرفه أحدٌ أصلاً، إلاّ قليلٌ جدًا!!!
وجاء يوم عرسهما مضت الأيام الأولى بسلام، كذلك كنت تبدو، ثم ما هي إلا أسابيع قليلة، و رأت منه نفورا، بعدما تملك من جسدها، و صار يعتدي عليها، و يأمره بما لا يرضاه الشرع، فلما استعصت عليه، هجرها، مخلفا إياها، و الحزنُ يرتعُ في صدرها، من بعد ما رأت صفو الحياة يوما في رسائله الخادعة، و في أوّل أيام زواجهما!!!
صارت تندبُ حظها، و تنعى كبوها، و لكن جرح المحبة أعمق جرح، و أقساه، و أشد إيلاما مما سواه، بعد معاناة طويلة، و نصح من كل من عرفها، قررت أن تبدأ حياة جديدة، و لكن قبل ذلك، كان لا بد أن تتخلص من آثار ذلك المأفون الأثيم ......
كلّ الرسائل أُحْرقتْ أوراقُها = كالنار آخر معهد السُّمَّارِ
مزّقْتُ كلَّ رسالةٍ ملْعونةٍ = لوّ ثْتَهَا بحقارةِ الأشرارِ
يا أيّها القذرُ الذي عبثت به = شهواته من غير ما إبصارِ
يا بائعَ العهد الجميل و شاريًا = جرح الفؤادِ و أسوء الأخبارِ
ماذا الذي قد غرَّ مثلك بي لكي = يفني شبابي نضرتي و وقاري
خلّفتَ لي ذكرى حبيبِ كاذبٍ = و بقيّةٍ من هاطلٍ ممْطارِ
كم ذا خدعْتَ الحُبَّ في قلبي كما = قد يبصر السمَّار ضوء نهارِ
أودعتني حلمًا جميلاً هادئًا = و تركتني في جاحم الأفكارِ
و خدعْتني في فجأة و رميتني = في جبِّ قلبي غيرَ ما إنذارِ
هل قد نسيْتَ حديثكَ المعسولِ في = طول الليالي تحت ذي الأقمارِ
أم قد نسيتَ محبّةً قد رُعْرِعتْ = بفؤادنا مثل العبير الساري
مهلا فإني في الزمان عنيدةٌ = لن تستبيحَ سعادتي و شعاري
لن أتْرك الأحزان تقتلني كما = قد أخمدتْ تُرُبًا لدى الأمطارِ
فأنا على غصص الزمان قويّةٌ = ينبيك عوني يا ضعيفِ الجارِ
لن أستكين على الجراح ضعيفةً = بل إنّني مثل المحيطِ الجاري
سأحطِّمُ الآلامَ دونَ مراحمٍ = و أجوز عاليةً على الأوزارِ
يا أيّها الغدّارُ دعني ها هنا = و ارحل سريعًا دونما إنذارِ
سأعيشُ دون مواجعٍ و تألُّمٍ = و أجولُ دون تأسّفٍ و تواري
ارحلْ بعيدًا مبعدًا متأجّجًا = ببقيّة الآثامِ و الآثارِ
ارحل فلا عيني ستذْرفُ دمْعها = لن تسمعَ الأحزانَ في أخباري
لن أذكر الأيّام ينزف جرحها = لن أعزف الآلام في الأوتارِ
صباح الجمعة السابع عشر من رجب الفرد 1430 هجريًا
*********************
و قد نُشرت في صحيفة السبيل الأردنية يوم السبت الموافق الخامس و العشرين من رجب 1430 هجريا
و هذا رابطها http://www.assabeel.net/ar/DataFiles.../05-08-940.pdf
و هي في الصفحة الثانية بالأسفل
**********************
محبكم في الله:
أبو بكر بن عايد