تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[حديث قطين]

ـ[أبو اسحاق الصبحي]ــــــــ[13 - 08 - 09, 09:19 م]ـ

هذا مقال للأديب مصطفى صادق الرافعي وكان سبب كتابة هذا المقال يقول الأستاذ رحمه الله

((جاء في امتحان إتمام الدراسة الابتدائيه لهذا العام (1943) في موضوع الإنشاء ما يأتي

""تقابل قطان أحدهما سمين تبدو عليه اثا النعمة , والآخر نحيف يدل منظره على سوء حاله فماذا يقولان إذا حدث كل منهما صاحبه عن معيشته ""))

فبين الأستاذ أن هذا الكلام صعب على الطالب

فقام الشيخ بكتابة حديثهما وخبرهما

كان القط الهزيل مرابطا فى زقاق وقد طارد فأرة فانجحرت في شق فوقف المسكين يتربص بها ان تخرج.

ويؤامر نفسه كيف يعالجها فيبتزها، وماعقل الحيوان إلا من حرفة عيشه لا من غيرها

وكان القط السمين قد خرج من غار اصحابه يريد ان يفرج عن نفسه بان يكون ساعة او بعض ساعة كالقططة بعضها مع بعض لا كاطفال الناس مع اهليهم وذوي عنايتهم، وابصر الهزيل من بعيد فاقبل يمشى نحوه ورآه الهزيل وجعل يتأمله وهو يتخلغ تخلع الاسد فى مشيته وقد ملأ جلدته من كل اقطارها ونواحيها، وبسطته النعمة من اطرافه وانقلبت فى لحمه غلظا وفى لاعصبه شدة وفى شعره بريقا وهو يموج فى بدنه من قوة وعافية ويكاد إهابه ينشق سمنا وكدنه. فانكسرت نفس الهزيل ودخلته الحسرة وتضعضع لمرأى هذه النعمة مرحة مختالة.واقبل السمين حتى وقف عليه وادركته الرحمة له، اذ رآه نحيفا متفبضاً طاوى البطن بارز الاضلاع كأنما همت عظامه ان تترك مسكنها من جلده لتجد لها مأوى آخر.

فقال له: ماذا بك ومالى أراك متيبسا كالميت فى قبره غير انك لم تمت، ومالك أعطيت الحياة غير انك لم تحي أو ليس الهر صورة مختزلة من الاسد فمالك ... ويحك .. رجعت صورة مختزلة من الهر أفلا يسقونك اللبن ويطعمونك الشحمة واللحمة ويأتونك بالسمك ويقطعون لك من الجبن ابيض واصفر ويفتون لك الخبز فى المرق ويؤثرك الطفل ببعض طعامه وتدللك الفتاه على صدرها وتمسحك الرأة بيديها، ويتناولك الرجل كما يتناول أبنه ..... ؟

وما لجلدك هذا مغبرا كأنك لا تلطعه بلعابك، ولا تتعهده بتنظيف وكأنك لم تر قط فتى أو فتاة يجري بريقاً في شعره أو شعرها، فتحاول أن تصنع بلعابك لشعرك صنيعهما، وأراك متزيل الأعضاء متفككا حتى ضعفت وجهدت،كأنه لا يركبك من حب النوم على قدر من كسلك وراحتك ولا يركبك من حب الكسل على قدر نعميك ورفاهتك وكأن جنبيك لم يعرف طنفسة ول حشية ولا وسادة ولا بساطا ولا طرازا، ما اشبهك باسد اهلكه الا يجد الا العشب الاخضر والهشيم اليابس فما له لحم يجئ من لحم ولا دم يكون من دم، وانحط فيه جسم الأسد وسكنت فيه روح الحمار!

قال له الهزيل: وإن لك لحمة وشحمة ولبنا وسمكا وجبنا وفتاتا وإنك لتقضى يومك تلطع جلدك ماسحا وغاسلا أو تتطرح على الوسائد والطنافس نائماً ومتمددا؟ أما والله لقد جاءتك النعمة والبلادة معاً وصلحت لك الحياة وفسدت منك الغريزة واحكمت طبعا ونقضت طباعا وربحت شبعا وخسرت لذة عطفوا عليك وافقدوك ان تعطف على نفسك وحملوك واعجزوك ان تستقل وقد صرت معهم كالدجاجة تسمن لتذبح غير انهم يذبحونك دلالا وملالا ..

انك لتأكل من خوان أصحابك وتنظر اليهم يأكلون، وتطمع في مؤاكلتهم فتشبع بالعين والرغبة ثم لا شىء غيرهذا وكأنك مرتبط بحبال من اللحم تاكل منها وتحتبس فيها.

إن كان اول ما فى الحياة ان تاكل فأهون ما فى الحياة أن تاكل وما يقتلك شىء كاستواء الحال ولا يحييك شىء كتفاوتها والبطن لا يتجاوز البطن ولذته لذته وحدها.

ولكن اين انت من إرثك من أسلافك وعن العلل الباطنة التى تحركنا الى لذات اعضائنا ومتاع ارواحنا وتهبنا من كل ذلك وجودنا الاكبر وتجعلنا نعيش من قبل الجسم كله لا من المعده وحدها؟

قال السمين: تالله لقد أكسبك الفقر حكمة و حياة، وأرانى بإزائك معدوماً بزوال أسلافى منى وأراك بإزائى موجوداً بوجود اسلافك منك ناشدتك الله إلا ما وصفت لى هذه اللذات التى تعلو بالحياة عن مرتبة الوجود الاصغر من الشبع وتستطيل بها الى مرتبة الوجود الاكبر من الرضى؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير