فقال الهزيل: إنك ضخم ولكنك أبله أما علمت -ويحك- أن المحنة فى العيش هى فكرة وقوة، وأن الفكرة والقوة هما لذة ومنفعة، وأن لهفة الحرمان هى التى تضع فى الكسب لذة الكسب، وسعار الجوع هو الذى يجعل فى الطعام من المادة طعاماً آخر من الروح، وأن ما عدل به عنك من الدنيا لا تعوضك منه الشحمه واللحمة، فان رغباتنا لابد لها أن تجوع كما لابد من مثل ذلك لبطوننا، ليوجد كل منها حياته فى الحياة والأمور المطمئنة كهذه التى أنت فيها هى للحياة امراض مطمئنة فان لم تنقص من لذتها فهى لن تزيد فى لذتها، ولكن مكابدة الحياة زيادة فى الحياة نفسها.
وسر السعادة أن تكون فيك القوى الداخلية التى تجعل الأحسن أحسن مما يكون،وتمنع الأسوأ أن يكون أسوأ مما هو وكيف لك بهذه القوة وانت وادع قار محصور من الدنيا بين الايدى والارجل؟
إنك كلأسد فى القفص صغرت أجمته ولم تزل تصغر حتى رجعت قفصا يحده ويحبسه،فصغر هو ولم يزل يصغر حتى أصبح حركة فى جلد،أما انا فأسد على مخالبى ووراء انيابى وغيضتى ابداً تتسع ولا تزال تتسع ابداً وإن الحرية لتجعلنى اتشمم من الهواء لذة مثل لذه الطعام واستروح من التراب لذة مثل لذة اللحم وما الشقاء الا خلتان من خلال النفس: اما واحدة فأن يكون فى شرهك ما يجعل الكثير قليلا ًوهذه ليست لمثلى ما دمت على حد الكفاف من العيش، وما الثانية فأن يكون فى طمعك ما يجعل القليل غير قليل وهذه ليس لها مثلى ما دمت على ذلك الحد من الكفاف،والسعادة والشقاء كالحق والباطل كلها من قبل اللذات، لا من الأسباب والعلل فمن جاراها سعد بها ومن عكسها عن مجراها فبها يشقى.
ولقد كنت الساعةأختل فأرة انجحرت في هذا الشق،فطعمت منها لذه وإن لم أطعم لحما وبالأمس رمانى طفل خبيث بحجر يريد عقري فأحدث لى وجعا ولكن الوجع أحدث لى الاحتراس وسأغشى الأن هذه الدار التى بإزائنا فأيه لذة فى السلة والخطفة والاستراق والانتهاب ثم الوثب شدا بعد ذلك؟
هل ذقت انت بروحك لذة الفرصه والنهزة او وجدت فى قلبك راحة المخالسة واستراق والانتهاب ثم الوثب شداً بعد ذلك؟ هل ذقت أنت بروحك لذة الفرصة والنهزة , أو وجدت في قلبك راحة المخالسة واستراق الغفلة من فأرأو جرذ اأو أدركت يوما فرحة النجاة بعد الروغان من عابث او باغ او ظالم؟ وهل نالتك لذة الظفر حين هولك طفل بالضرب فهولته أنت بالعض والعقر، ففر عنك منهزماً لا يلو؟
قال السمين: وفى هذه الدنيا هذه اللذات كلها وانا لا أدرى؟ هلم أتوحش معك ليكون لى مثل نكرك ودهائك واحتيالك، فيكون لو مثل راحتك المكدودة ولذتك المتعبة وعمرك المحكوم عليه منك وحدك
وسأتصدى معك للرزق أطارده وأواثبه وأغاديه وأراوحه .. فقطع عليه الهزيل وقال:
يا صاحبى إن عليك من لحم ونعمتك علامة أسرك فلا يلقانا أول طفل إلا أهوى لك فأخذك أسيرا وأهوى على بالضرب لانطلق حراً، فأنت على نفسك بلاء،وأنت بنفسك بلاء على.
وكانت الفأرة التى أنجحرت قد رأت ما وقع بينهم فسرها انشغال الشر بالشر ... وطالت مراقبتها حتى ظنت الفرصة ممكنة فوثبت وثبة من ينجو بحياتها ودخلت فى باب مفتوح ولمحها الهزيل كما تلمح برقاً أومض وانطفأ.
فقال للسمين: اذهب راشداً فحسبك الآن من المعرفة بنفسك وموضعها من الحياة أن الوقوف معك ساعة لهو ضياع رزق
وكذلك أمثالك فى الدنيا هم بألفاظهم فى الأعلى وبمعانيهم فى الأسفل ....
من كتاب (وحى القلم) للكاتب (مصطفى صادق الرافعى)
ـ[أحمد بن شاكر]ــــــــ[01 - 10 - 09, 07:14 ص]ـ
بارك الله تعالى فيكم
ـ[أسامة الهاشمي]ــــــــ[03 - 10 - 09, 10:57 ص]ـ
آمين يارب العالمين
ـ[أبو اسحاق الصبحي]ــــــــ[05 - 10 - 09, 02:50 ص]ـ
بارك الله فيكم
ـ[سعيد يوسف الأثري]ــــــــ[28 - 12 - 09, 04:23 م]ـ
جزاك الله خيرا
لكن لو تكرمت ما اعراب (حديث قطين)
ـ[محمود الرشيد]ــــــــ[28 - 12 - 09, 04:58 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
لكن الرافعي توفي قبل ذلك بسنوات فنرجوا التوضيح أو التصحيح
والسلام
ـ[محمود الرشيد]ــــــــ[28 - 12 - 09, 05:07 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم راجعت وحي القلم فإذا الصواب [جاء في امتحان شهادة إتمام الدراسة الابتدائية لهذا العام (1934) في موضوع الانشاء ما ياتي] وسبب استنكاري واستفهامي ان الرافعي رحمه الله توفي عام 1937
والسلام
ـ[محمود الرشيد]ــــــــ[28 - 12 - 09, 05:18 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
اما من الناحية الاعرابية فيصح وجهان أحدهما رفع حديث على أنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذا حديث قطين وهو مضاف وقطين مضاف اليه مجرور
والثاني يصح ان يكون حديث مفعول به لاسم فعل دونكم حديث قطين او اليكم حديث قطين
والسلام
ـ[سعيد يوسف الأثري]ــــــــ[28 - 12 - 09, 09:09 م]ـ
جزاك الله خيرا