وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).
ويقول - صلى الله عليه وسلم -: (المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور).
إن من شر الأسقام، وأقبح صفات الأنام، وخاصة طالب العلم: التعالم!، في مظهره، ولسان حاله ومقاله!، ولا يُشك أن مبدأ (التعالم) وإدعاء العلم لمن لا يعلم ممقوت عند كل عاقل، وهذا لا خلاف فيه، كما لا يخفى.
ولكن الأمر الأدق: صور هذا التعالم!، فإنه صفة نفسية تحمل صاحبها على تجشم ما ليس كفوا له، وتقمص شخصية من هم أجل منه، والتكلم بلسانهم حالاً ومقالاً.
فإن زاد على ذلك تمجيد الذات، ومدح القدرات، ودعوى العلم والتحقيق كان أوضح بيانٍ لهذه الصفة الدنية.
وروي عن علي بن أبي المديني أنه قال: (إذا رأيت الحدث يتعالم فاختم على قفاه: لا يفلح).
وما قاله عين الصواب والعقل والواقع!، وذلك لأن من ادعى بلوغ منزلة العلماء، وتمام العلم، فقد قال لنفسه - الخائبة -: استريحي فقد بلغتِ المنزلة!، لأنه يعتقد أنه قد حوى العلم كله!، وكمل!!، وليس بعد الكمال إلاّ النقصان، فيسري إلى (علمه القليل) النقص، فماذا يبقى عنده بعد.
وقد شوهد الكثير من أمثال هذا الصنف ما إن يلازم حلقات العلم السنة والسنتين، ثم يتصدر للتدريس، إلاّ ويكف عن مجالس مشايخه، وعن مجالس العلماء عموماً، بل يستشرف للناس ويدعوهم إلى حضور مجلسه في وقت مجلس شيخه؟!، بل ربما عرّض برأي شيخه وانتقده علانية واستنقص علمه!!، فما تبرح الأيام والليالي إلاّ وتحل عليه (معرة العقوق) و (آفة المتكبرين) حيث يقصمهم الله - تعالى -، ويهون على الناس، ويُنسى علمه، ويصبح من الهمج الرعاع.
وإن من صور التعالم - وهي كثير -:
[1] دعوى أنه لم يسبق إلى إيضاح هذه المسألة أحدٌ قبله!.
[2] ومنها: التكلم بـ (نا) الفاعلين، بـ (كنا) و (رأينا) و (ذهبنا) و (زارنا)، ويزداد القبح إذا كان التعبير في مسائل الاجتهاد - مقام العلماء - بقوله: مذهبنا، واختيارنا، وترجيحنا، وعندنا!!!.
[3] ومن صوره: لوك اللسان على غير عبارته محاكاة لبعض أهل العلم في طرحه للفتوى!، فتجد من يقلد جماعة من أكابر العلماء في أصواتهم، بل في بعض الحركات العادية والجبلية من هز الرأس، وخفضه ورفعه، وتحريك اليد ونحوها.
[4] ومن صوره: الحرص على الإخبار بسابق بحوثه وتقريراته في محضر شيخه، بل ومنهم من يصدم قول الشيخ إذا منحه بالفائدة فيقول: هذا معروف، أو قد قرأته قبل ذلك في الكتاب الفلاني!!، وكان من الأدب أن يظهر للشيخ فرحه بالفائدة، وجلالتها، والدعاء له.
[5] ومن صور التعالم: تنصيب الشخص نفسه للكلام في معضلات الأمور، ومحدثات النوازل، وقد وقاه الله حرارة الفتيا، والظهور للأمة بالتحليل والتحريم، فتجد اليوم (أنصاف المتعلمين) يتجادلون في (موطن نزهتهم) أو بجانب (ملعب كرتهم!!!) عن مسألة: كفر المعين، والعذر بالجهل، ومولاة الكفار، والحكم بغير ما أنزل الله، وحل الإسقاط، وإباحة التأمين، وطلاق الثلاث، وسباق الرهان، بل ربما تباهلوا على ما يقولون!!.
وهم لم يعرفوا ما أوجب الله من أصول التوحيد، وفروض الدين، وآداب المسلم مع نفسه و والديه وإخوانه ومشايخه وسائر المسلمين!.
[6] ومن صور التعالم: لف الفتيا، والهروب من: لا أدري؟!، وهذه بلية قد ذكر صوراً منها ابن الجوزي في " تلبيس إبليس ".
فعندما يأتيه العامي الجاهل، ويسأل عن مسألةٍ يجهل هذا المفتي جوابها!، تتعاظم نفسه أن يقول بصوت المعتذر الخجول: والله لا أدري، لعلي أراجع لك ونحو هذا.
وإنما يجيبه عن مسألة أخرى شبيهة أو قريبة لمسألته، ويكل الفهم إلى هذا المستفتي - الجاهل - فيدبر ويظن بأنه أفتاه؟!.
[7] ومن صور التعالم: سوء الأدب مع أكابر العلماء في الخطاب!، وتجريدهم عن صفة العلم والديانة والمشيخة، و وصفهم بما يليق بهم، فيجرد اسمه ويقول: فلان، أو ابن فلان - من غير أن يشتهر به - ويزداد الطين بِلّة إذا قال: أخونا فلان، وفلان من أصحابنا.
ومن ذلك - وهو خفي - إرداف ذكره مع ذكرهم!!، فيقول: هو قول الأئمة الأربعة واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ ابن باز، وهو قولي!!!!!!، وكان الأدب أن يقول: وهو الصواب.
¥