- الثّانية: قوله صلّى الله عليه وسلّم: ((أُصَيْحَابِي أُصَيْحَابِي)) لا يعني به أصحابه الّذين نصروه وعزّروه واتّبعوا النّور الذي أنزل معه باتّفاق علماء أهل السنّة، وإنّما المقصود إمّا المنافقون الّذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر، أو أهل الرّدّة وجُفاة العرب، لذلك حمل بعضهم التّصغير في هذا الحديث على التّقليل، فقد كانوا قلّة. كما أنّه يحمل أيضا-كما ذكر النّوويّ- على العصاة وأهل البدع من هذه الأمّة الّذين غيّروا وبدّلوا، لذلك جاء في رواية الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ أنّه صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: ((إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ أَنْتَظِرُ مَنْ يَرِدُهُ عَلَيَّ مِنْكُمْ، فَلَيُقَطَّعَنَّ رِجَالٌ دُونِي، فَلَأَقُولَنَّ: يَا رَبِّ أُمَّتِي! أُمَّتِي! فَلَيُقَالَنَّ لِي: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ، مَا زَالُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ))، فهذه ذكرى لكلّ مدّكر، ولا داعي لأن يصطاد الرّافضة في الماء العكِر. ولئلاّ تغصب علينا الأمّهات، ويحرمننا من بعض الدّعوات، فإليهنّ:
- أُمَّ: فيستعلمون لنداء الأمّ أو الإخبار عنها كلمة (أُمَّ) أو (أُمّا)، وهي لغة في نداء كلّ اسم صحيح مضاف إلى ياء المتكلّم، قال ابن مالك رحمه الله في " الخلاصة ":
(وَاجْعَلْ مُنَادًى صَحَّ إِنْ يُضَفْ لِيَا كَعَبْدِ عَبْدِي عَبْدَ عَبْدَا عَبْدِيَا)
فقولهم " أمَّ " من الثّالث كـ (عبدَ) و" أُمَّا " من الرّابع كـ (عَبْدَا)، قال الإمام ابن عقيل رحمه الله عن المنادى المضاف إلى ياء المتكلّم:
إن كان صحيحا جاز فيه خمسة أوجه:
أحدها: حذف الياء، والاستغناء بالكسرة، نحو " يَا عَبْدِ "، وهذا هو الأكثر.
الثّاني: إثبات الياء ساكنة، نحو " يَا عَبْدِي " وهو دون الأوّل في الكثرة.
الثّالث: قلب الياء ألفا، وحذفها، والاستغناء عنها بالفتحة، نحو " يَا عَبْدَ ".
الرّابع: قلبها ألفا وإبقاؤها، وقلب الكسرة فتحة، نحو " يَا عَبْدَا ".
الخامس: إثبات الياء محركة بالفتح، نحو " يا عبدي ".
وفاته رحمه الله وجه سادس لم يذكره، وهي " يا عَبْدُ "، استدركه عليه ابن هشام رحمه الله في " أوضح المسالك ".
وليت شعري لماذا يلاحقنا شبح التّفخيم هنا أيضا، فإنّهم يفخّمون ميم (أمَّ) ولا أعلم علّة لذلك، وليس لها مسلك من المسالك. إلاّ أن يكونوا قد أصيبوا بعقدة المساواة بين الرّجل والمرأة، فكما فخّموا باء (أبّي) رأوا أنّه يجب تفخيم ميم (أمَّ)!
فنقول: رويدكم يا إخوة العرب مهلا، إنّنا نرى الأمّ لأكثر من ذلك أهلا، فتوقيرها عبادة، وبرّها مثل برّ الوالد أو زيادة، ولكن حسبكم أن توسّعتم فخرجتم عن الفصيح، والكلام السّديد الصّحيح، أم أنّكم غفلتم أنّه لا تستعمل كلمة " أمَّ " في الإخبار عنها ألبتّة، وإنّما جازت الأوجه الخمسة بل الستّة، في النّداء خاصّة لا غير ذلك؟
والله أعلم وأعزّ وأكرم
البيان والتّوضيح لما في العامّية من الفصيح (2)
بقلم: أبي جابر عبد الحليم توميات
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:
فهذا هو لقاؤنا الثّاني معكم-معاشر القرّاء الأعزّاء-، وأرى لزاما عليّ قبل أن أشرع في الجديد أن أنبّه على أمر مهمّ جدّا، وهو أنّ هذه المقالات ليست فيها دعوة إلى التحدّث بالعامّية، كما قد يظنّه بعضنا، وإنّما هي مقالات يُقصَد منها أمران:
- بيان أصالة العرب، فهم وإن رأيتهم لا يتكلّمون باللّغة الفصحى أو الفصيحة، فإنّهم ولله الحمد يتكلّمون بلهجة مشتقّة من أصل عربيّ.
- لحثّ النّاس على الابتعاد عن التحدّث باللّغات الأجنبيّة من غير حاجة، فبعد أن كنّا نحثّ النّاس على أن يتحدّثوا باللّغة الفصيحة ونقول لهم (قولوا ولا تقولوا)، فإنّنا نقول اليوم: تكلّموا بأيّ لهجة وعلى أيّ وجه على أن تكون عربيّة الأصل، ونظير ذلك صيحة الشّيخ أحمد بن الهاشميّ في " البصائر " العدد 8 ص 1: (بعد غربة اللّغة العربيّة أصبحنا نخشى على اللّغة الدّارجة!!) واعتبر الكلام بما ليس أصله عربيّا إنّما هو نفاق جديد طفا على سطح المجتمع العربيّ، فقال رحمه الله تعالى: " وهكذا أصبحنا نرى إلى جانب منافق الإسلام منافقا آخر هو منافق الكلام " ..
فالله المستعان، وعليه التّكلان، وأقول:
(حرف الباء)
(بَهْ بَهْ)
¥