تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وليت شعري لماذا يلاحقنا شبح التّفخيم هنا أيضا، فإنّهم يفخّمون ميم (أمَّ) ولا أعلم علّة لذلك، وليس لها مسلك من المسالك. إلاّ أن يكونوا قد أصيبوا بعقدة المساواة بين الرّجل والمرأة، فكما فخّموا باء (أبّي) رأوا أنّه يجب تفخيم ميم (أمَّ)!

فنقول: رويدكم يا إخوة العرب مهلا، إنّنا نرى الأمّ لأكثر من ذلك أهلا، فتوقيرها عبادة، وبرّها مثل برّ الوالد أو زيادة، ولكن حسبكم أن توسّعتم فخرجتم عن الفصيح، والكلام السّديد الصّحيح، أم أنّكم غفلتم أنّه لا تستعمل كلمة " أمَّ " في الإخبار عنها ألبتّة، وإنّما جازت الأوجه الخمسة بل الستّة، في النّداء خاصّة لا غير ذلك؟

والله أعلم وأعزّ وأكرم

البيان والتّوضيح لما في العامّية من الفصيح (2)

بقلم: أبي جابر عبد الحليم توميات

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:

فهذا هو لقاؤنا الثّاني معكم-معاشر القرّاء الأعزّاء-، وأرى لزاما عليّ قبل أن أشرع في الجديد أن أنبّه على أمر مهمّ جدّا، وهو أنّ هذه المقالات ليست فيها دعوة إلى التحدّث بالعامّية، كما قد يظنّه بعضنا، وإنّما هي مقالات يُقصَد منها أمران:

- بيان أصالة العرب، فهم وإن رأيتهم لا يتكلّمون باللّغة الفصحى أو الفصيحة، فإنّهم ولله الحمد يتكلّمون بلهجة مشتقّة من أصل عربيّ.

- لحثّ النّاس على الابتعاد عن التحدّث باللّغات الأجنبيّة من غير حاجة، فبعد أن كنّا نحثّ النّاس على أن يتحدّثوا باللّغة الفصيحة ونقول لهم (قولوا ولا تقولوا)، فإنّنا نقول اليوم: تكلّموا بأيّ لهجة وعلى أيّ وجه على أن تكون عربيّة الأصل، ونظير ذلك صيحة الشّيخ أحمد بن الهاشميّ في " البصائر " العدد 8 ص 1: (بعد غربة اللّغة العربيّة أصبحنا نخشى على اللّغة الدّارجة!!) واعتبر الكلام بما ليس أصله عربيّا إنّما هو نفاق جديد طفا على سطح المجتمع العربيّ، فقال رحمه الله تعالى: " وهكذا أصبحنا نرى إلى جانب منافق الإسلام منافقا آخر هو منافق الكلام " ..

فالله المستعان، وعليه التّكلان، وأقول:

(حرف الباء)

(بَهْ بَهْ)

بَهْ بَهْ: لطالما سمعتَ هاتين اللّفظتين من أفواه الشّيوخ والأولاد، وخاصّة على ألسنة من يتسمّون بـ (اوْلاَدْ البْلاَدْ) .. فما شأن هذا الاستعمال؟ أهو فصيح يستحقّ الإجلال، أم أنّه دخيل يحكم عليه بالإهمال؟

فاعلم-وفّقني الله وإيّاك- أنّ أصل هذه الكلمة (بَخْ بَخْ)، ومنه قول العرب عن الأشياء المستعظمة: (مُبَخْبَخَة) أي يقال فيها (بخ بخ) [انظر "اللّسان" (1/ 253) تحت مادّة ج ب ب، وخ ب ب، وب خ خ]، وتقول العرب: بخبخ الرّجل إذا قال بخْ بخْ، و (رجل بخٌّ) أي سريّ وشريف ومعظّم، وقال ابن الأنباري: بخ بخ معناه تعظيم الأمر، وقال الأزهريّ: هي كقولك عجبا.

ومن اللّغات فيها عن العرب قولهم: بَهْ بَهْ، وقد جاء في صحيح مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنه: مَا أَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنه: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يُصَلِّي بِاللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، قَالَ أَنَسٌ: قُلْتُ: فَإِنَّمَا أَسْأَلُكَ مَا أَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ؟ فَقَالَ: بَهْ بَهْ! إِنَّكَ لَضَخْمٌ .. ".

قال ابن السِّكِّيت: هي لتفخيم الأمر بمعنى (بَخٍ بَخٍ) ..

ولنا مع هذه اللّفظة وقفات:

الأولى: تبقى مشكلتنا تفخيم ما لا يستحقّ التّفخيم، ولعلّ عذرهم في ذلك أنّ الكلمة للتّعظيم، ولا يخفى على أهل النُّهى والبصائر، أنّ مناسبة الألفاظ للمعاني لها أشباه ونظائر.

الثّانية: من العوامّ من يكرّر اللّفظة أكثر من مرّتين، قتسمعه يقول: بهْ بهْ بهْ بهْ ... متعجّبا في انبهار، ولولا قطع النّفس لظلّ يكرّرها طوال النّهار .. فأقول له راحما مشفِقاً، حتّى لا يموت بين أيدينا خَنِقًا:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير