تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وروى عن محمّد بن سعد بن أبي وقّاص أنّه سمع قوما يتكلّمون بالفارسية فقال: " ما بال المجوسيّة بعد الحنيفيّة؟! " [4].

بل قال الإمام مالك فيما رواه ابن القاسم عنه: " لا يُحرِم بالأعجميّة، ولا يدعو بها، ولا يحلف " [5].

وقال الشّافعي رحمه الله-فيما نقله عنه أبو طاهر السّلفيّ-: " سمّى الله الطّالبين من فضله في الشّراء والبيع (تجّارا)، ولم تزل العرب تسمّيهم التجّار، ثمّ سمّاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بما سمّى الله به من التجارة بلسان العرب، والسّماسرة اسم من أسماء العجم، فلا نحبّ أن يسمّي رجلٌ يعرف العربية تاجرا إلاّ تاجرا، ولا ينطق بالعربية فيسمّي شيئا بأعجمية، وذلك أنّ اللّسان الّذي اختاره الله عزّ وجلّ لسان العرب، فأنزل به كتابه العزيز، وجعله لسان خاتم أنبيائه محمّد صلّى الله عليه وسلّم، ولهذا نقول: ينبغي لكلّ أحد يقدر على تعلّم العربية أن يتعّلمها؛ لأنّه اللّسان الأولى بأن يكون مرغوبا فيه من غير أن يحرم على أحد أن ينطق بأعجميّة " [6].

وقال ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى " [7]:

" وما زال السّلف يكرهون تغيير شعائر العرب حتّى في المعاملات، وهو (التكلّم بغير العربية) إلاّ لحاجة، كما نصّ على ذلك مالك والشّافعي وأحمد؛ بل قال مالك: من تكلّم في مسجدنا بغير العربيّة أُخرج منه، مع أنّ سائر الألسن يجوز النّطق بها لأصحابها؛ ولكن سوّغوها للحاجة، وكرهوها لغير الحاجة، ولحفظ شعائر الإسلام؛ فإنّ الله أنزل كتابه باللّسان العربيّ، وبعث به نبيّه العربيّ، وجعل الأُمّة العربيّة خير الأُمم، فصار حفظ شعارهم من تمام حفظ الإسلام " اهـ

وقال رحمه الله في " اقتضاء الصّراط المستقيم " [8]:

" وأمّا اعتياد الخطاب بغير اللّغة العربية - الّتي هي شعار الإسلام ولغة القرآن - حتّى يصير ذلك عادة للمصر وأهله، أو لأهل الدّار، أو للرّجل مع صاحبه، أو لأهل السّوق، أو للأمراء، أو لأهل الدّيوان، أو لأهل الفقه، فلا ريب أنّ هذا مكروه، فإنّه من التشبّه بالأعاجم، وهو مكروه كما تقدم. ولهذا كان المسلمون المتقدّمون لمّا سكنوا أرض الشّام ومصر ولغةُ أهلِهما روميّة، وأرضَ العراق وخراسان ولغةُ أهلهما فارسيّة، وأهل المغرب ولغة أهلها بربرية، عوّدوا أهل هذه البلاد العربيَّةَ حتّى غلبت على أهل هذه الأمصار، مسلمِهم وكافرِهم، وهكذا كانت خراسان قديما، ثمّ إنّهم تساهلوا في أمر اللّغة واعتادوا الخطاب بالفارسيّة حتّى غلبت عليهم، وصارت العربيّة مهجورةً عند كثير منهم، ولا ريب أنّ هذا مكروه، وإنّما الطّريق الحسن اعتيادُ الخطاب بالعربيّة حتّى يتلقّنَها الصّغار في الدّور والمكاتب، فيظهر شعارُ الإسلام وأهله، ويكون ذلك أسهلَ على أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب والسنّة، وكلامِ السّلف، بخلاف من اعتاد لغة ثمّ أراد أن ينتقل إلى أخرى، فإنّه يصعب عليه .. ".

كلّ ذلك-أخي القارئ- لأنّ الظّاهر يؤثّر على الباطن كما هو مقرّر في الشّريعة، فلا يتحدّث المرء بلغة قوم ولا تلزمه إلاّ إذا لزمته وعلِقت به أفكار أهلها ومبادؤهم، قال يحيى بن معاذ رحمه الله: ((القلوب كالقدور تغلي بما فيها، وألسنتها مغارفها)).

وقد صفّق النّاس حتّى اهترت أيديهم، وأثنوا حتّى بُحّت أصواتهم، عندما قال ديكارت الفيلسوف المعروف: (إنّ اللّغة تؤثّر على الفكر)، مع أنّ علماءنا صرّحوا بذلك قبله بزمن، قال شيخ الإسلام رحمه الله:

" واعلم أنّ اعتياد اللّغة يؤثّر في العقل والخلق والدّين تأثيرا قويّا بيِّناً، ويؤثّر أيضا في مشابهة صدر هذه الأمّة من الصّحابة والتّابعين، ومشابهتُهم تزيد العقل والدّين والخلق، وأيضا فإنّ نفس اللّغة العربيّة من الدّين ومعرفتها فرض واجب، فإنّ فهم الكتاب والسنّة فرضٌ، ولا يُفهم إلاّ بفهم اللّغة العربيّة، وما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب، ثمّ منها ما هو واجب على الأعيان، ومنها ما هو واجب على الكفاية ... "اهـ[9]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير