تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال أَبو عبيد رحمه الله: الخَرُوط الذي يَتَهَوَّرُ في الأُمور، ويركب رَأْسَه في كلّ ما يريد بالجهل وقلّة المعرفة بالأُمور، كالفرس الخَرُوط الّذي يَجْتَذِبُ رَسَنَه [5] من يد مُمْسِكه ويَمْضِي لوَجْهِهِ ومنه قيل: انْخَرَطَ علينا فلانٌ إِذا انْدَرَأَ عليهم بالقول السيّئ والفعل.

فقد أخذوا هذا الاستعمال من (الخَرُوط) وهي: الدابةُ الجَمُوحُ الذي يَجْتَذِبُ رَسَنَه من يد مُمْسِكِه ثم يَمْضي عائراً خارِطاً.

وكان بائع الدابّة يقول: بَرِئْت إِليك من الخِراط أَي الجِماحِ.

الحاصل: أنّ الكلمة من حيث لفظُها صحيحة، ولكنّها في لغة العرب أضيقُ منها في استعمال العامّية، إذ هي التحدّث عن جهل، أمّا في العامّية فنراهم يطلقونها أيضا على من تعمّد الكذب. ولعلّهم قاسوا ذلك على كلمة (كذب) إذ هي في لغة العرب تطلق على القول الخطأ سواء أتعمّده المتحدّث أم لا.

ولنا وقفتان:

الوقفة الأولى: مع كرم الأوائل.

فلعلّ آباءنا من هذه البلدة - حرسها الله- حين أطلقوا (الخرّاط) على المتعمّد للكذب نراهم قد أنزلوه منزلة من (يهرف بما لا يعرف) إمّا:

- رحمةً به، وتأليفا لقلبه، فما أرادوا تفسيقه وجرحَه، ولا تعييره وفضحَه، فرموه بالخرط والاختلاط، دون الكذب والافتراء.

- أو من باب حسن الظنّ به، فلأن تحكم على أخيك بالخرط، والوهم والغلط، أولى من قذفه، وتجريحه ونسفه. وما زال العلماء يرتقون في مراتب الفضلاء، فترى أحدهم يقول: فلان ربّما وهِم، أو له أوهام، ودخل عليه كلام في كلام.

الوقفة الثّانية: ممّا سبق بيانه، فلك أن تبحث - أخي القارئ- عن حكم إطلاق بعضهم هذه الكلمة (انخراط) و (انخرط) على الرّجل ينضمّ إلى جماعة معيّنة، أو حزبٍ، أو غير ذلك! فما أصدقها من عبارة! والحرّ تكفيه الإشارة.

والله تعالى أعلم وأعزّ وأكرم.


[1] / هذا من الرّجز، وهو لأرطأة بن زفر بن جزء بن شدّاد أحد بني مرّة، وأمّه سهيّة كلبيّة، كما قال عبد العزيز الميمني في " سمط اللآلي بشرح أمالي القالي" (299). وتتمّته:
(ألفيتني ألوي بعيد المستمر ... أحمل ما حملت من خيرٍ وشرٍ)
وأخطأ كلّ من ابن بريّ والدّميريّ حين نسباه إلى الصّحابيّ الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه.
وبعضهم ينسب الأبيات إلى الطّفيل الغنويّ كما فعل جامع " ديوانه ".
[2] / مُؤْخِرُ العين على وزن (مُؤمِن) وهو ما يلي الصُّدْغَ، ومُقْدِمُها ما يلي الأَنفَ، يقال: نظر إِليه بِمُؤْخِرِ عينه. [انظر " لسان العرب" مادةّ (أخر)].
[3] / هذا البيت قاله حاتم بن عبد الله الطّائيّ يمدح به بني بدر يوم جاورهم زمن حربٍ قامت بين جديلة وسعد، وكان ذلك في زمان الفساد:
(إِنْ كُنْتِ كارِهَةً لِعِيشَتِنا ... هاتا، فَحُلِّي في بَنِي بَدْرِ
الضَّارِبِينَ لَدَى أَعِنَّتِهِمْ ... والطَّاعِنينَ وخَيْلُهُمْ تَجْرِي
جاوَرْتُهُمْ زَمَنَ الفَسادِ، فنِعْـ ... مَ الحَيُّ في العَوْصاءِ واليُسْرِ
فسُقِيتُ بالماءِ النَّمِيرِ ولَمْ ... أَنْزِلْ أُلاطِسُ حَمْأَةَ الجَفْرِ
ودُعِيتُ في أُولى النَّدِيِّ ولَمْ ... يُنْظَرْ إِليَّ بَأَعْيُنٍ خُزْرِ
الخالِطُونَ نَحِيتُهُمْ بنُضارِهِمْ ... وذَوِي الغِنَى مِنْهمْ بذِي الفَقْر)
[انظر الأبيات في " الأمالي " لأبي عليّ القالي، و" الحماسة " لأبي الحسن البصريّ، و" لباب الآداب " لأسامة بن منقذ].
[4] / رواه الطّبراني في " المعجم الكبير " عن ابن عبّاس رضي الله عنه، والبيهقي في " شعب الإيمان " عنه وعن أبيه العبّاس رضي الله عنهما، وهو موضوع [انظر " الموضوعات" لابن الجوزي، و" سلسلة الأحاديث الضّعيفة والموضوعة " (108) و" ضعيف الجامع " (4520)].
[5] / الرّسن: الحبل الّذي تسيّر به الدّابة.

ـ[أحمد الرملي]ــــــــ[14 - 10 - 09, 12:58 ص]ـ
جزاك الله خيرا أخي آل شطارة

ـ[آل شطارة الجزائري]ــــــــ[14 - 10 - 09, 04:45 ص]ـ
وأنت جزاك الله خيرا على مرورك وحسن ظنك

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير