أما من ناحية موقف الغرب المسيحي المتعصب من الإسلام، فلقد كانت اللغة العربية ولا تزال هدفا من الأهداف الأساسية لهجوم المستشرقين والمبشرين، وقد بذلوا جهودا مستميتة لإثبات صحة ما يقولونه من فريات حول اللغة العربية من قبيل اتهامها بالقصور والعجز والتعقيد، كما حاولوا محاربتها بتدعيم تعليم اللهجات المحلية أو العامية وإحلالها محل الفصحى، وتشجيع كتابة الأدب والشعر بالعامية، والحث على عمل المسابقات وإنشاء الجوائز والإسهاب في دعمها بالمقالات المؤيدة، وما أكثر الكتب التي صدرت عن هيئات أجنبية أو كنسية وغيرها لتعليم العامية وتدريس هذه اللهجات المحلية في الجامعات على نطاق لافت للنظر بهدف زعزعة الفصحى لغة القرآن الكريم.
ولا يمكن للغرب المسيحي الذي مر بتجربة مغايرة تماما مع نصوصه المقدسة التي لا تكف عن التغيير والتبديل مع كل طبعة تقريبا، ولا نذكر هنا على سبيل المثال إلا محاولات البابا يوحنا بولس الثاني "تبديل وتعديل" سبعين آية من آيات الأناجيل المعتمدة لكي يحقق وحدة الكنائس التي يجاهد من أجلها حتى "يتصدوا للمد الإسلامي" كما يقول (راجع كتاب الجغرافيا السياسية للفاتيكان) .. إن مثل هذا الغرب لا يمكنه أن يدرك مدى تمسك المسلمين بالقرآن ولغته التي يتعلمون منها دينهم وتعاليم حياتهم الدنيوية والأخروية، كما أنه لا يمكن أن يدرك ذلك الإجلال الراسخ الذي يخصونه به.
ولا ندري كيف فات أو غاب عن الأستاذ شريف الشوباشي أنه في هذا الكتاب يعيد نفس مطالب المستشرقين المتعصبين، من خلال أسانيد مبتورة أو مغلوطة، ومنها: تكرار التذرع بصعوبة اللغة العربية الأمر الذي أدى إلى تهميشها على الصعيد العالمي، لكنه أغفل ذكر أن منظمة اليونسكو قد أدرجتها في النصف الثاني من القرن العشرين ضمن لغاتها الرسمية التي تتعامل بها أسوة بالإنجليزية والفرنسية؟!
والاستشهاد بأن فيكتور هيجو قد تجرأ على التغيير والتحديث، وأغفل ذكر أنه لم يمس قواعد اللغة الفرنسية وأجروميتها، فمعركة "هرناني" نقلت استلهام قواعد المسرح من قدامى اليونان والرومان إلى أرض الواقع المعاصر.
وتكرار "أن اللغة العربية عائق لتقدم العالم العربي وازدهاره"، وتناسى دور الاستعمار والاستشراق والتبشير في فرض التغريب وعمليات الغرس الثقافي ..
أما الإشادة بأن الفرنسيين لا يخطئون في الهجاء، فلعله لم يطالع ما تزخر به الصحف الفرنسية الرسمية من مقالات ساخرة أيام نتائج امتحانات الثانوية العامة (الباك)، بل لعله لم يسمع عن أخطاء فولتير الإملائية الشهيرة والتي لم تكن سببا في يوم من الأيام في اتهام اللغة الفرنسية أو حتى في الانتقاص من مكانة فولتير!
والتقريظ بأن اللغة العربية "تحتل موقعا لا تحسد عليه في مجال النشر" إذ يقع ترتيبها رقم22، متناسيا أن السواد الأعظم من العالم الإسلامي والعربي يعيش فيما حول وتحت حزام الفقر بفضل الاستعمار والتحكم في الاقتصاد والثروات عن طريق البنك الدولي وصندوق النقد الدولي المفروضين على الحكومات.
وتكرار أن هبوط مستوى تعليم اللغة العربية يرجع إلى صعوبتها، متغافلا أن انحطاط مستوى التعليم بالمدارس وتدني مرتبات المدرسين وتكدس الطلبة في الفصول هو السبب الحقيقي الذي يؤدي إلى دوامة الدروس الخصوصية وتبريرها، وهو السبب الحقيقي لتدني المستوى اللغوي ..
و الغريب هنا أن الأستاذ شوباشي يعلم ويشير إلى "أن السلطة الفرنسية (كدولة من دول الاستعمار) تفرض لغتها في المدارس وتحارب العربية وتسعى لتقليصها بقدر المستطاع" وإن كان في الواقع ليست السلطة الفرنسية وحدها وإنما كل السلطات الاستعمارية وأولها حاليا الولايات المتحدة الأميركية .. وذلك إضافة إلى اختلاق بعض الموضوعات والرد عليها من باب المزايدة في نقد اللغة العربية واتهاماتها.
والأمر الأكثر مرارة وألما -ولا ندري كيف لم يدركه الأستاذ شوباشي- أن نراه يردد أقوال المستشرقين من أن القرآن قد نزل لقوم بعينهم وفي زمن بعينه، وأن اللغة العربية كما ورثناها لا تلائم العصر، ويعتبر –مثلهم- أن الثبات على الأسس الواضحة والثوابت التراثية الراسخة عبارة عن "تخلف وتحجر"! ..
¥