كنتُ أتيته، عصراً، لموعدِ مجلسي معه، فرأيتُه يَغلبُه حُزنٌ، فأخبرني بوفاةِ الأستاذ الشيخ الأديب عبد الفتاح أبو غدة، رحمه الله، و قال: أفضى إلى ما قدَّم، و حقُّ الإسلام لا يزول، فرحمه الله، ثم أشار بكلامٍ جميلٍ إلى أدب المخالفِ و الإنصافِ مع مراعاة الأصول الأساسية، و لا يجرمنا شنآنُ قومٍ. و أخرى كذلك لما مات الدكتور عبد العزيز الماجد، أثنى عليه ثناءً كبيراً، و لا أعرفُه، فرحمه الله الكلَّ.
ألف كتباً تميزت بالجودة و الحُسْنِ، و الشيءُ من منبعه، من كتبه: " أرجوزة الآداب "، " تخريج الحديث النبوي "، " الزراعة "، " رسالة إلى الطبيب "، رسالة إلى المريض "، " أدب المشيب "، " الأصول العامة لمناهج المحدثين "، " قواعد التصحيح و التضعيف "، " الاختصار "، " رسالة من المسجد الأقصى " ديوان، هذا ما أعلمه، و ما أذكره من الذاكرة، و ربما وَهِمْتُ في العناوين.
كان لكتابِ " قواعد التصحيح و التضعيف " قِصة عجيبة، أخذته مكتبةٌ لتنشرَه، و كانوا قد وعدوا أستاذنا بأهم سيُخرجون الكتابَ قريباً، و المسافاتُ قد تختلفُ قياساتها تجارياً و نفسياً، فكان القُرْبُ هذا ما يُقاربُ الخمسَ سنوات، كنت أكثرتُ عليه السؤالَ عن كتابه، و أن يُلِحَّ على المكتبة بالاتصالِ، و لكنَّ أدب أهل الكمال كان حاجباً أن يكون اتصال إزعاجاً، تولَّيْتُ أمر متابعة الكتاب، و أمهلتُ المكتبةَ يوماً لتعطيني قراراً بالطباعة أو عدمها، اتصل بي صاحب المكتبة معتذراً عن طباعة الكتابِ، أخذتُ الكتابَ منهم، و ذهبتُ به لأستاذنا، أخرج الكتاب، مصفوفاً، من ظرفِهِ، و كان العجبُ أن وجدَ اسم المؤلف هو اسم شخصٍ آخرَ تُطبع له كتبٌ، يَعتني به لا يؤلفها، و الباقي معروف لدى العقلاء ماذا يعني.
قبلَ أن يُسافرَ إلى الأردن دعوته إلى بيتي، و كان في تلك الدعوةِ أستاذنا الشيخ صالح العصيمي، و بعض الأصدقاء، كان مجلساً جمع بين دُرَّتينِ من أنقى من رأيتُ، سأل الشيخُ العُصيمي أستاذنا عن أرجوزته، و هل هو ناوٍ أن يشرحها، فكان أن التفتَ إليَّ و قال: " لا شرح بعد شرح عبد الله ". حُسنُ ظنٍّ و أدبٌ في التربيةِ و قصدٌ في التشجيع و التعزيز.
كتبت كتاباً لطيفاً يحوي قواعدَ و ضوابطَ في الطُّرَفِ، قرَّظَه تقريظاً جميلاً، لم يبخل في الإرشاد الأبوي.
قبل ذلك طلبتُ منه الإجازةَ بما يرويه، فوافقَ على أن نقرأ أوائل الكتب التسعةِ، و كان ذلك في بيتي، فكنتُ أقرأُ أوائلَ تلك، و سجلتُ ذاك المجلس، و تلك عادتي في مجالسه، و بعد ذلك قرأ الإجازةَ عليَّ، و أجازني إجازة عامةً، في تاريخِ 13/ 9/1422، و هو يروي عن سعيد بن مرتضى الندوي، و كانت تلك الإجازة الموجودة معه في قراره في الرياض.
و من طرائفِ ذاك المجلس الطاهر أنني ذكرتُ قصتي في أخذ الإجازة من أستاذنا إسماعيل الأنصاري، فسألني أن أُجيزَه، لأنه لم يَرْوِ عنه، تلبَّسَني من هول الأمرُ حالٌ من الارتباكِ و عدم استقرارِ الحالِ، حيثُ كان هو المُستجيزُ، و قدرُه أعلى و أجل و أكبرُ من أن يُجيزه صغيرٌ، و حيث كانت أول إجازةٍ أعملها، حاولتُ أن يُعفِيَتي، و لكن كان الفشلُ حليفَ المحاوَلة.
مرت سنواتٌ، و إذا بي أُفاجأُ حال خروجي من صلاة العشاء به واقفاً، تكبَّد عناءً، و اقتطعَ وقتاً ليُعلِن للتاريخ درساً في تواضع الكبراء، أتى ليُسلِّم ليس إلا، كنتُ أعذُرُ نفسي، و لا عُذر، بأنني لا أعلم إلا أنه في الأردن و ليس هنا في الرياض، و كان هذا آخرُ لقاءٍ به، و يغلبُ على الظنِّ أنه كان عامَ 1424، و لا أعلمُ عنه شيئاً، مع محاولاتِ الوصولِ إليه.
كانتْ لديه إنشاءُ جمعيةٍ تُعنى بالأحاديثِ الصحيحة، و التي تهمُّ المجتمعَ و مَن يَعملُ على توجيههم، من الخطباءِ و الوُعَّاظ، لستُ دارياً هل قامت أم لا، و ليس اليقينُ، حيث كان هو رأسها، إلا أن تقوم و مؤتيةً أُكلها كلَّ حينٍ.
أستاذنا من مواليدِ " دَيْر نظام " من أعمال " رام الله " بفلسطين، عام 1368، هاجر إلى الأردن عام 1388، و مسيرةُ حياته حافلة بكل إنتاج مبارك.
حفظ الله أستاذنا حفظاً تامَّاً، و رعاه رعاية كاملةً، و سدده أينما كان، و جعله مباركاً كلَّ آنٍ.
مقال للشيخ /ذو المعالى
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=150347
ـ[شريف المنيري]ــــــــ[22 - 11 - 09, 10:26 م]ـ
الآن صرنا نغضب لمباراة كرة قدم ونقطع أوصالنا بسببها
اللهم ارحمنا واحمنا من العابثين
ـ[أبومالك المصرى]ــــــــ[27 - 12 - 09, 08:09 ص]ـ
اللهم آمين
بارك الله فيك