تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

آثرت أن تكون القضايا التي استفدتها أثناء بحثي في هذا الموضوع المفيد مضمنة ضمن هذه الكلمات الفلسفية، التي كتبتها لتبيان مدى العلاقة الطيبة بين الحكمة التي ينبغي أن نكون من أهلها وبين الواقع الغريب:

الحب والجمال: القيرنان المتلازمان!!

تلتقط الحياة أنفاسها على عتبات تذكر الماضي، فتنداح الآلام وتتجدد الآمال، وتسمو الروح لا تعرف التقهقر في قاموسها، ولا تدرك التأخر ضمن ناموسها، علمت أن الحب نصرٌ للذات فاتخذته صديقا، واستيقنت أن الود كمال للروح فاختارته رفيقا، وكان وضعها من كل إتعاب طليقا، ولكنها وقد انتقلت إلى عالم الكمال، وانفصلت عن الزيف والبهتان وتخميد الجلال، رأيت بعين الحقيقة البصيرية أن الجمال يقع في كل هذه المعاني الطيبة ويحتوي في طياته العلا، ويملك بين ثناياه الرضا.

الجمال مصدر التذوق الياسميني

إن الجمال يعني القدرة على تذوق حلاوة الأشياء، وطلاوة الأجرام، وعذوبة الأجسام، برهافة الحس وصدق المنظر ودقة التمييز، حتى لكأن صاحب الرؤية الصائبة يشعر بتأثير الجميل ينساب معبقًا حلقه، ميسمنًا لسانه، معطرًا منخريه، مطربًا أذنيه، مشجيًا شَعرًا يكسو جلده، وممتعًا دماءً تسير في عروقه، ومهدئًا روعًا يكتنف الوجدان، ومطمئنًا حالة مضطربة من المحتمل وقوعها في زمان ما وأي آن.

انعكاسات الجمال على طبيعة صاحبه:

الجمال يعني أن يرتقي الحسن وتعتلي المشاعر، وتتنافس الفضائل فيما بينها في سباق شريف محمود، ومسارعةٍ خيرية تأبى التخاذل والقعود، فأنت ترى أدواتٍ مبعثرةً في كل مكان في غرفة ما يملأها الغبار وتعشش فيها أنسجة عنكبونية، فتحكم على صاحبها بالموات وإن كان جسده يتحرك وجوارحه، ثم ترى أخاه وحول المكان ذاته، قد انتظمت وسائد فراشه كأنها عقد في جيد حسناء، وقد أحسن طلاء غرفته، فكأنك في قطعة حقيقية من منظر طبيعي مشاهد أمامك، قد أراح ترتيبه ونظامه نفسك، وبان ذلك على كل قسمة وشعرة في وجهك.

ومعلوم أن كل حالة تعبر عن وضع صاحبها من فعل الجمال واستخدامه، وتقبل أحواله والعمل في ظلاله، والجمال شيء فطري ينمو مع كل إنسان فيعتدل بمهارة صاحبه في تلقي الاستقامة، وينحرف حتى يبدو ممجوجًا إن اعوجت به القافلة وانحرف المسار.

تعريفي للجمال

وبعد سرد تعاريف الجمال أظهرها للقلم بإذن البيان والبلاغة بجواهرها الحسان، أخلص إلى تعريف خاص للجمال استفدته من مجموع ما قرأته، وأصبته مرويًا لي من مزن الفهم والفقه الجمالي على أيدي الفحول، فأقول وبالله التوفيق، وللذكي أن يدرك المعنى الذي أريده فيما يلي:

عندما تلتقي المفاهيم يكون التعريف أبلغ

الجمال لا يمكن إدراكه ولا استخراج دلالته الحقيقة واستنطاق مكنونه الفعلي إلا بعرض مادته على القلب، فيتعمق فيها عبر حجراته كأنه فرن أدخل إليه ذهبٌ، فإن خرجت من القلب صافية ذهبية حمراء كانت جميلة، وإن كان سوى ذلك فإن النتيجة على التبعية سوف تختلف، وعندي أن محل إدراك الجمال هو القلب لا العقل، ألست ترى الشيء الجميل أو الوجه الجميل فيختلج قلبك وتضطرب أهداب جنانك، وتختل المسيرة الدموية فيه شيئًا قليلا، لأن مكان إدراك الجمال هو الذي يتأثر على التأكيد، حتى القبح نرى القلب هو الذي يدركه أولا، وذلك بضمور القلب وانقباضه نحو الداخل وتسارع دقاته لا على الصورة المتسارعة عند رؤية الجميل، ويكذب ذلك أو يصدقه تنامي فقرات الشعور أو انخفاضها عند تذكر الحالة، فإن منحنى الإحساس بالجمال، إذا كان في ارتفاع مستمر بمجرد تذكر الجميل أو وقت رؤيته كان مدى ما وضعه فينا من تأثر قويًا جدًا، ولكن إذا نسيناه بمجرد انقضاء الصورة واندفاع الحدث، فإن الحديث يكون هنا عن جمال مزيوف لا يرتبط بالحقيقة من أي رابط.

ومهما حاولنا الحديث كثيرًا أو قليلا حول هذا الموضوع، فإنه يظل بحرًا لربما لا يستطيع الجمع الغفير أن يتحصل على كل كنوزه ويواقيته، ولكن إذا تشابكت الأيادي وتعانقت القلوب وتوحدت الجهود، استطعنا أن نكوّن نظريات متعمقة لا يمكن تجاوزها بحال، فاللهم وفقنا واشرح للخير صدورنا، إنك القادر على ذلك إلهنا.

والحمد لله الذي أعاننا وأجاب دعاءنا ومن كل الخيرات منحنا وأعطانا

اللهم اجعلنا جميلين بالاطّراح الدائم على عتباتك

واجعلنا جميلين بزيادة غمر آنافنا في الصبح والمسيّة في تراب الذلة لك

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير