لُعَبُ الأَطْفَالِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَصَدْرِ الإِسْلامِ
ـ[أبو قتادة وليد الأموي]ــــــــ[20 - 01 - 10, 02:22 م]ـ
لُعَبُ الأَطْفَالِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَصَدْرِ الإِسْلامِ
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد يتوهم كثير من الناس أن صبيان العرب في الجاهلية لم يكونوا يلعبون، ولا يروحون عن أنفسهم إذا كلُّوا من مشاقِّ الحياة وأعبائها، ونَصَبِهَا ولأوائِهَا، وهذا توهم باطل يكفي في ردِّه أقلُ نَظَرٍ فِي كُتُبِ الأَدَبِ وشُرُوحِ دَوَاوِيينِ الجاهليينَ أو حتى شواهدِ كُتُبِ النَّحْوِ والصَّرْفِ!
ولأدلل على ذلك، أكتب لكم هذه الكلمات اليسيرة عن بعض ألعاب الأطفال في الجاهلية وصدر الإسلام.
وقبل ذكر تلك اللُعَبِ وتفسير صفاتها وصورها يجدر بي أن أؤكد الظنون العالقة في صدور القراء من أن تلك الألعاب الجاهلية كانت بسيطة ساذجة كالجاهلية نفسها، فما كان الصبي يظفر بمثل ما قد يظفر به أشقى صبياننا اليوم، ولذا كان قِوامَ ألعابهم إما أسمالٌ باليةٌ متآكلةٌ لا نفعَ فيها، أو حدائدُ متكسرةٌ وخُشُبٌ مشققةٌ لا وطر فيها لحدَّادٍ ولا إربةَ فيها لنجَّارٍ، وإن عجزوا عن ذلك فخطوط يخطونها في قيعة صفصف يحجلون بينها.
ورغم قلة ذات أيديهم مقارنة بصبيان اليوم كان الصبي فيهم أو الجارية الحدثة منهم -ولمَّا تحيض بعد- تنشدُ الأشعارَ الفصيحةَ وتنطق بالكلماتِ الجزلةِ البليغةِ التي يعيا شيوخ أدبائنا اليوم عن أن يحفظوها فضلًا عن أن يحاكوها، وهذا غير منكر مع تبدل الأزمان والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله.
(1) لعبة الخُذْرُوفُ: وهو شيء يربطه الصبي في خيط ثم يدور الخيط حوله في سرعة فيسمع لذلك الشيء صوتًا وهزًا لمقابلته للريح.
ويسميها بعض الأدباء " الخَرَّارةَ " وبعض جهابذة الصبيان يتخذ لنفسه عودًا ويشقه ويبقي في وسطه شاخصًا من جنس العود ويربط في الشاخص شيئًا من عهن (صوف) أو اليرمع بدلًا من الصوف (وهي أحجار بيض) ثم يدير العود حوله في سرعة ومهارة ويسمع لذلك حفيفًًا (دويًا شديدًا) تلذ له نفسه.
وقال امرؤ القيس يصف حركة قوائم فرس:
كخُذْرُوفِ الوَلِيدِ أَمَرَّه تَتابُعُ كَفَّيْه بِخَيْطٍ مُوَصَّلِ
(2) البُقَّيرى: وهي لعبة يبقرون (يحفرون) فيها الأرض ويخبئون فيها خبيئًا، فيأتي الصبي إلى شيء فيجعله في الأرض ويسأل قرنه على جمعه.
(3) الكُرة: وهي شيء يجعلونه على هيئة مستديرة ويتقاذفونه ويتسارعون عليه.
(4) عظم وضَّاح: عظم يطرحونه بالليل، ومن يجده فقد غلب أقرانه، وهي لعبة تلعب ليلًا، وكان يولع بها صبيان الأعراب.
(5) الأنبوثة: وهي لعبة يحفر فيها أحدهم حفيرة ويضع فيها شيئًا ثم يغطيه فمن وجده من أقرانه فقد غلب، وحري بها أن تسمى الأنبوشة!
(6) الأرجوحة: آلة معروفة مادتها حبال وشاخص (شجرة مثلًا)، وإذا تأرجح الصبي وحده سمي ذلك حمصًا.
(7) الفئال: لعبة صورتها أن يجمع الصبيان ترابًا ثم يضع فيه أحدهم عودًا من حطب ونحوه ثم يقسم التراب قسمين طولًا، هذا وأقرانه لا يرونه ثم يقول لهم في القسمين العود؟! وتسمى البُحْثَة والخُلَّيطى وغير ذلك.
(8) الزحلوفة: وصورتها أن يأتوا بخشبة فيضعوا تحت وسطها شيء يحملها وينقسموا فريقين، يجلس كل فريق على طرف، فأي الفريقين كان أثقل فاز لأن الفريق الآخر سيطيش لخفته فيستغيث بالفائزين: خلوا خلوا.
(9) مِنْ دِحِنْدِحٍ: وهما كلمتان سميت بهما لعبة (ولا معنى للكلمتين) يجتمع فيها الصبيان فيكررون الكلمتين فمن أخطأ في نطقهما رفع رجلًا وحجل بالأخرى سبع مرات.
(10) المقلاع أو المِخْذَفَةُ: وهي شيء يتخذ من سعف النخل أو الجلود وتوضع فيها حجارة ويدار في الهواء بسرعة ثم يترك نحو السماء لينطلق الحجر فيصيد الطيور ونحوها، وما زالت تلك اللعبة إلى اليوم. ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الخذف وهو أخذك العصاة أو النواة بين السبابة والإبهام ورميك بها.
قال الشاعر:
كأنَّ الحصى من خلفِهِا وأمامِهِا ... إذا نجلتْهُ رجلُها خَذْفُ أعسرا
يعني: إذا نجلته رجلها ويدها ([1] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_ftn1)).
(11) خَرَاج: أن يمسك أحد الصبيان شيئًا في يده محكمًا قبضته عليه ثم يقول لإخوانه أخرجوا ما في يدي.
(12) المطاردة: وصورتها أن يعدو الصبى وراء أقرانه حتى يدرك بعضهم.
(13) الحَجُّورة: أن يخطوا خطًا دائريًا يقف فيه أحدهم، وبقية خارجه ويحاولون إخراجه.
(14) جبَّى جُعَل: وصورتها أن يضع الصبي رأسه على الأرض ثم ينقلب على الظهر.
(15) البنات: العرائس الساذجة على صورة جارية تخاطبها الفتاة.
(16) المِهْزَام: وصورتها أن يغطي أحدهم رأسه ثم يضربه زملاؤه بأيديهم ويلطمونه، وقال الأزهري: تضرب استُه، ثم يقال له: من لطمك؟ فإن عرفه فعل فعله وإلا بقي حتى يجعل الله له مخرجًا.
(17) المدحاة: لعبة يلعبها أهل مكة، وصورتها أن ياتوا بأحجار ثم يحفروا حفرة على قدر حجر فيها، ثم يبسط أحدهم الأحجار فإن وقع الحجر في الحفرة فقد فاز من حصل على يديه ذلك وإلا فلا! وكانوا يقامرون بها.
(18) المِخْرَاقُ: وهو منديل يُلْوَى فيضرب به، قال أحيحة بن الجلاح:
لَقِيتكُمُ يَوْمَ الخَنَادِقِ حَاسِراً ... كَأَنّ يَدَي بالسّيْفِ مِخْرَاقُ لاَعِبِ
(19) ركوب القصبة: وهي قصبة يركبها الصبي يحاكي بها الرجال راكبي الخيول.
وغير ذلك كثير، ولعلي أوفق لكتابة شيء عن لُعَبِ الفتيان والشيبان فيما بعد.
والله أعلم وصلى الله على نبينا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
[1] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_ftnref1) - شواهد التوضيح: 113 - 114. ومثله قوله تعالى (سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم) أي سرابيل تقيكم الحر والبرد واخرى تقيكم بأسكم، ولسنا بغضض ذلك.