تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[وقفة مع الهادي الحسني دفاعا عن الرافعي]

ـ[ابو عبد القوي]ــــــــ[31 - 01 - 10, 03:06 م]ـ

[وقفة مع الهادي الحسني دفاعا عن الرافعي]

بسم الله والصلاة والسلام على خير خلقه وبعد:

قرأت مقالا لأحد فضلاء الجزائر وهو الشيخ الهادي الحسني ـ مد الله في عمره ـ ويشهد الله أني أحبه وأتتبع مقالاته التي يكتبها كل خميس في جريدة الشروق الجزائرية، وكنت أجد في يراعه نفسا من أنفاس شيخنا محمد البشير الإبراهيمي ـ قدس الله سره ـ والمقال بعنوان (ثرثرة فوق النيل) ([1] ( http://majles.alukah.net/#_ftn1)) ولقد أجاد وأتحف كعادته.

إلا أن الشيخ حين كتب هذا المقال كان غاضبا ـ والشأن كما يقول محمد الغزالي رحمه الله: ((والجزائري إذا غضب تحول إلى شخص آخر)) ([2] ( http://majles.alukah.net/#_ftn2)) ـ وكيف لا يغضب الهادي الحسني وقد تطاول حثالة من الإعلاميين وسفلة الممثلين والراقصين والمتباهين بأنهم أحفاد فرعون وهمان على تاريخنا وشهدائنا وأهلنا، وزادوا فنسبوا لمصرهم كل خير منه الله علي بلدنا.

ولكن الشيخ الحسني وهو في ثورة غضبه صدرت عنه عبارة قاسية في الرافعي ليته لم يخطها حيث قال: ((هذا الغرور لم يسلم منه حتى بعض المصريين الذين هم على شيء فهاهو مصطفى صادق الرافعي رحمه الله يستعمل كلمة "سهلا مهلا" ثم يعلق قائلا: "هذا الاستعمال مما وضعناه نحن وليس في اللغة ([3] ( http://majles.alukah.net/#_ftn3))، ووالله الذي خلق الرافعي أن هذا الاستعمال يستعمله الأميون في الجزائر فضلا عن المثقفين فيقولون عن أي شيء في المتناول "سهله مهله". فلماذا يتعاظم هؤلاء المصريون، ولا يقرون أنهم كسائر البشر يعلمون شيئا ويجهلون أشياء .. وصدق الشاعر القائل:

شر الجهالة ما كانت على كِبَر)).

وهو كلام يأسف له المنصف، ودفاعا عن مصطفى صادق الرافعي وعن محبيه من أبناء الجزائر وغيرهم؛ كتبت هذا المقال؛ فالرافعي لم يبق حكرا على مصر بل صار ميراثاً نتوارثه، وأدباً نتدارسه، وحناناً نأوي إليه.

عجيب كيف لم يجد الحسني من يمثل به لغرور المصريين مع كثرة أهل الغرور فيهم إلا الرافعي الذي قضى حياته في بيان زغل وكبر هؤلاء الذين أوجفت بهم مطايا الغرور، حتى اتهمه كثير منهم في وطنيته ومصريته وقد قال سلامة موسي عنه ((إنه إنما يهاجم مصر لأنه غريب)) ([4] ( http://majles.alukah.net/#_ftn4))؛ شيخنا الحسني إن الرافعي سوري الأصل ومع كونه ولد في مصر إلا أنه لم تكن له علاقات اجتماعية مع المصريين، وإنما كان يحصر زيارته الاجتماعية غالبا علي بيوت الشوام، وأن أصدقاءه كانوا معظمهم من الشوام، بل ظلت لهجته الشامية في الحديث تنم عن أصله.

إن نسبة الغرور للرافعي يأباه تاريخه المشرق وتراثه النير الذي هو دروس في الأدب والحكمة والأخلاق، وفي كتاب "وحي القلم" الذي نقلت منه عبارة الرافعي كلام نفيس عن الغرور يقول الرافعي: ((والغرور الذي تثبت به أن رأيك صحيح دون الآراء، لعله هو الذي يثبت أن غير رأيك في الآراء هو الصحيح. ولو كان الأمر على ما يتخيل كل ذي خيال، لصدق كل إنسان فيما يزعم)) ([5] ( http://majles.alukah.net/#_ftn5)).

وكأني بمحمود شاكر ـ رحمه الله ـ سمع ما قاله الحسني فانبرى له، نافيا عن الرافعي وصمة الغرور فقال: ((ولو أنه استنام ـ أي الرافعي ـ إلى بعض الصيت الذي أدركه وحازه واحتمله في أمره الغرور لخف من بعدُ في ميزان الأدب حتى يرجح به مِن بعدُ مَن عسى أن يكون أخف منه؛ ولكن الرافعي خرج من هذه الفتن ... وقد وجد نفسه واهتدى إليها، وعرف حقيقة أدبه وما ينبغي له وما يجب عليه)) ([6] ( http://majles.alukah.net/#_ftn6)).

إن وصف الرافعي بأنه (من المصريين الذين هم على شيء) ليس من الإنصاف في شيء؛ ذلك أن في قاموس الحسني من كلمات التقييم ما يناسب مقام الرافعي، و لأن العبارة التي خطها عادة ما يوصف بها المبتدئ في الطلب الذي لم يرتض في العلم رياضة تبلغه مبالغ الشيوخ الراسخين، ولا تقال في وصف الكملة من أهل العلم، وسر ذلك أن كلمة شيء موغلة في التنكير صادقة بالكثير والقليل. وإن أقل ما يمكن أن نصف به الرافعي أن نقول إنه إمام من أئمة الأدب وشيخ من شيوخ العربية وأمير من أمراء البيان.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير