تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مقالة ٌ أدبيَّة ٌ ولوحةٌ فنيّةٌ بعنوان {أجْمَعُ القوم ِ} ....

ـ[أبو الهمام البرقاوي]ــــــــ[01 - 02 - 10, 05:32 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم ...

وبعد:

هذه مقالة ٌ لأخ ٍ فاضل ٍ كتب هذه اللوحة َ وطلب منّي أن أرفعها إليكم ..

ولا تحكمْ عليها حتى تقرأها كاملة ..

بعنوان {أجمع ُ القوم ِ}

كنا ثلاثة ً، وبصحبَتِنا شَيْبةٌ رابعُ أربعةٍ

أما هُو فقدْ جاوزَ السِّتين وأدركَ من الملوكِ ما نقرأ عنهم في السُّطور

فبينا نحن نتعشَّى عند -معزِّبنا - وقد أفضنا بالحديثِ ومُيز الشِّيبة عنا بطعام يخصُّه، ونحن عنه بطعام ٍيخصُّنَا .. إذ جاء ذِكر البَرِّ وحليب النُّوق ..

فقال أحدُنا: غداً نغدُو إليهِ فحيَّهلاً بكم .. قرَّر الشِّيبةُ الانصرافَ معنا .. وعلى أثره آثرتُ على البقاءِ والمسيرَ معهم.

فقلتُ: أنا معكم إن ذهب الشيخُ، وجاءتني أريحيَّة طائية البَرُّ والأنس والحديث والنوق والنجوم والسماء ..

وقبل أن أبدأ معك في القصة تعال معي أعلِّمْك عن القومِ بما يعود عليك بالنفع ..

أما الشَّيبة فهو أعجوبة ُالدهرِ وفريدة ُالعصرِ بدويٌّ قحٌّ قد جمع بين العلم والزهد أو هو البخل لا أدري ..

ٍإلا أنه كثيرُ الاستغفار جيد المعلومِ صاحبُ سنَّةٍ قد تتلمذَ على كبارِ علماءِ نجد ٍكابنِ باز وابن حميد .. ولا يخلو من شطحات ..

وكان لا يتعشَّى لأنه لا يتغدَّى، ولا يتغدَّى لأنّه لا يفطِر .. وإنما زاده كأس من الشاي نصفه سكر، كلما أحس بدوار تناوله، وربما كانت له وجبة واحدة بُر ولبن ..

أما رصيده المالي فحدثني صاحبه أن فيه ستة أصفار على اليمين وعلى الشمال أرقام تترواح بين الطول والقصر والرَّبْعة .. فهو صاحب ملايين .. وأنت ابن أمك إن أخذت منه قطميرا- شيئا قليلا- .. أما ثيابه التي عليه فلا تساوي خمسين ريالا وحذائه لا يُثمَّن بريالين ..

وكان من بلدٍ يُعرف بالبخل .. بل كان يحدِّث أنه ربما اجتمعت أسرته من أجل شراء بساط، وربما انفض المجلس بالفشل ..

أما الثًّاني - وعليه رحى الحرب تدور- فقد ملأه الله شحما ولحما وعظما ويُخيل لي أنه يبعُث يوم القيامة وحدَه لما في بطنه من التيوسِ والخرفان .. ومزارع الفراخِ إلا أنه صاحب ُمرجلة.

والثالث / جسدٌ من عجائبِ الدهر ما نظرت إليه في المرآة إلا رأيت صورتي ولا شعرت بشعور إلا وكان فيه، ولا تألمت إلا تألمَ ولا فرحت إلا فرِح .. فهل رأيتم أعجب مني ومنه .. إنه أنا .. وأنا هو. (صورة مقتبسة من علي الطنطاوي)

والرابع ما شأنك وشأنه؟

في مساء اليومِ التَّالي حملنا العشاءَ للبَر وانطلقنا بسيارة (جيمس) .. وهي من هي ولا نزكي أحدا في البر والطعوس .. بل إني اشتهيت أن أعرف علاقة (الفور باي فور) بالصحراء ..

وبعد أن أوغلنا في الطريقِ واستوحش الأنيسُ عدلنا عن الطريق المعبَّد إلى أرض مليئة بالأحجار والحفر والأوكار ..

تراءت لنا الإبل بدلِّها ودلالها والخَيم التي يَسْمُر فيها سامروها، إلا أن نُجعتنا بعيدة وطُلبتنا عسيرة .. تمايلتْ بنا السيارة يمنةً ويسرةً وترواحت ذات اليمينِ والشمالِ في السهلِ والغائطِ، والمرتفعِ والمنحدر ِ، إلا أنها رابطة الجأشِ ثابتةِ البيان تفتت الصخر تحتها تفتيتا ً، وتألف الحصى بعدها قاعا صفصفا، تلتف حول التلال كأفعى قد عَصرت جسدَ ضحيتها , فهي ما تزال تخصِّرفي جسده حتى تصل رأسه ..

إنها الجمس ولله در الشاعر إذ يقول:

أنا أشهد أن الجمسَ سيارةُ.

لقد أخذنا يمينَ الجبل ِوهم في نهايته فما زلنا نزاول المسير حتى وصلنا ..

جاء َالراعي فهلَّلَ ورحَّب وجلسنا حلقةً كالسِّوار وأوقدنا نارا حَيِيَّة ..

هنا خلعنا عذار المُدن وامتطينا لباسَ الصحراء .. وانطلقنا في رحب الأرض الواسعة وفضاء السماء المتلألئة وراح الفكر وجال وصمت اللسان ونطق الجَنان

وقد أحاطت بنا جبال كأنها أم رؤوم حضنت أبناءها ..

لم يَحْلُ الجلوس والحديث حتى لبِست السماءُ السوادَ وأرسلت نجومَها، وصدق الله إذ يقول "وعلاماتٍ وبالنجم ِهم يهتدون" " إنا زينا السماء الدنيا بزينةٍ الكواكبَ""

كان الجو ُّزمهريرا إلا أنها أحطنا بالنار إحاطة السوار بالمعصم وأرسلت يدي إلى النار لتأخذ الدفئ منها فتوصله إلى جسدي وهكذا توازن الأمر.

وأصلحنا الشاي بالحطب ودُق بالمعول الهيلُ وتقهوينا وطال بنا السمر ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير