فأرسلنا فضاءات الكَلِم وأطلقنا صيحات القصيد وجمعنا ما تناثر من حياتنا لنلقيه في هذه الصحراء على مرئ منا ومسمع.
أطلت ُعليك الطريق َولم آتك بقصة ِأجمع القوم
كان عمدتنا في الحديث ذا الشيبةِ الكهلَ فأصبح يخبرنا عن ماضيه، عن الناس كيف كانوا وصارا .. وما حل به وعليه،، ومن قابل وما ذا شاهد ..
فأخبرنا عن قومٍ اشتهروا بالغفلة مع سيادتهم وسؤددهم .. فبينا ذا القوم مجتمعون وفي الحديث يخوضون، جرى ذكر العسل ومن أين يخرج وكيف يأتي؟ ..
فجادت قرائحُ القوم .. وأذكت نارهم .. وجادوا بعلوم لم يسمعها الأوَّلون .. وأخرجوا كنائزهم المدفونة .. وعقولهم المكنونة ..
فقال قائلهم – وكان مِقْداماً- إنما يخرج من غُصن الشجر .. فتعاوة القومُ وتذائبوا ولم يعجبهم قوله ولم يفهمهم مراده ..
وأُرسلت الناقة الشرود ..
فقال آخر: إنما يخرج من ثمار الأرض .. فصمّتوه وسفّهوه وبالعِيِّ رموه .. فقال ثالثهم -وكان صاحب فقه وذكاء-: ياقوم عندي الخبر اليقين، قالوا: قل فأنت سيدنا وابن سيدنا.
قال إنما يخرج من الأرض وينبت منها كما ينبت البَقْل .. فصمت القوم وأحجموا إلا أنه عرف إنكارهم له واستهجانهم عليه ..
فطال الجدل .. وارتفعت الأصوات .. وأبطلت البراهين .. وأقيمت الحجج .. وكل يدعي وصلا بليلى .. وليلى لا تقر لهم بذاكا
فبينا هم كذاكَ إذ خرج الضب من جحره. والثلعب من وكره وكان هذا الولد ابن سيد القوم فقال يا أبتِ -ولا يهونُ الحاضرون- فقالوا: لا هنتَ لا هنتَ
وحالهم لا ينطق الفتى إلا بالحق،، فقال إنما العسلُ يخرج من البصل، فسبح أبوه وكبر وصلى على النبي وسلم وقال يشهد الله ما أعلمته بذاك ولا أمه أعلمته، وإنما جاد بها لسانه، ونطق بما لم ينطق به عيسى في المهد ..
قال الشيبة: فأذعن القوم وسلموا وقالوا
إذا نطقت حذام فصدقوها .. فإن القول ما قالت حذامِ
فأجمع القوم انتهت قصتهم.
فتوقد جمرنا وأضرمَ ويكأنه ضحك أضحوكة لم يفهمها أحد خشية أن يعلم الناس أنه يفهم كلامهم وأنا مرسل يدي في لهيبه أتوقى الزمهرير .. ففاحت ريح الحطب المشتعل ومازجت الجسد والملبس .. إلا أن حطب البادية غيرُ؛ فرائحة الشجر المُذْكى كان أطيب من المسك وأشهى من ريح الخزامى.
فلما أن توسط الليل وصار الوقت عند الخاصرة شربنا حليبَ النوق، إنها لا تعتلف وإنما سائمة في البادية لذا كل شيء هنا يرجعك للماضي ويذكرك القوم الأُوَل.
وقالوا: إنَّ من يشربه لأول مرة يَطلُق بطنُه ويسهل، فخشيت أن يهتك الله ستري ويفضح أمري فعزفت عنه عزوف الفحل عن الغانية .. شهوته في وصلها وكرامته في قطعها.
وكان الجو ُّفي غاية الصفاء حتى إذا أشعلت المصباح في جو السماء وصل النجم الذي تريده، فاستغل الشيبة ُهذا وناداني وأعلمني شيئا عن النجوم ,, وقال أتدري ما هذا النجم ُالمنفرد إنه يدعى: القطب، وحوله سبعة من النجوم، وهي تدور حوله مع ثباته، فلو قدر الله وصار القطب فوق رأسك تماما فأنت على أرض روسيا
فزممنا الركاب وقمنا قومة رجل واحد وصعدنا دابتنا وجعلنا الجبل عن يميننا وتم الأمر بحمد الله.
كتبه بأنمولته: عبد الإله الشافعي