[الفرق بين الإيتاء والإعطاء (لا يكاد اللغويون يفرقون بينهما)]
ـ[بو عبد الرحمن]ــــــــ[22 - 02 - 10, 09:38 ص]ـ
بسم الله، وبه أستعين، والصلاة والسلام على النبي الكريم
وبعد
إن القرآن والسنة النبوية لا يكادان يذكران موضع فيه الزكاة إلا وجاءت بلفظ (إيتاء الزكاة) وأمثلتها كثيرة في القرآن والسنة.
والسؤال هو لماذا لم تأتي بلفظ إعطاء بدلاً من إيتاء على الرغم من ترادفهما في المعنى؟
وقد أجاب عن ذلك السيوطي في كتابه الإتقان في علوم القرآن (النوع الثاني والأربعون في قواعد مهمة يحتاج المفسر إلى معرفتها، قاعدة في الألفاظ التي يظن بها الترادف وليست منه) ما نصه:
(ومن ذلك الإعطاء والإيتاء.
قال الجويني: لا يكاد اللغويون يفرقون بينهما فظهر لي بينهما فرق ينبئ عن بلاغة كتاب الله تعالى وهو أن الإيتاء أقوى من الإعطاء في إثبات مفعوله لأن الإعطاء له مطاوع تقول أعطاني فعطوت ولا يقال في الإيتاء أتاني فأتيت وإنما يقال فأخذت فالفعل الذي له مطاوع أضعف في إثبات مفعوله من الفعل الذي لا مطاوع له لأنك تقول قطعته فانقطع فيدل على أن فعل الفاعل كان موقوفًا على قبول في المحل لولاه ما ثبت المفعول ولهذا يصح قطعته فما انقطع ولا يصح فيما لا مطاوع له ذلك فلا يجوز ضربته فانضرب أوفما انضرب ولا قتلته فانقتل ولا فما انقتل لأن هذه أفعال إذا صدرت من الفاعل ثبت لها المفعول في المحل والفاعل مستقل بالأفعال التي لا مطاوع لها فالإيتاء أقوى من الإعطاء.
قال: وقد تفكرت في مواضع من القرآن فوجدت ذلك مراعي قال تعالى تؤتى الملك من تشاء لان الملك شيء عظيم لا يعطاه إلا من له قوة وكذا يؤتي الحكمة من يشاء آتيناك سبعًا من المثاني لعظم القرآن وشأنه.
وقال إنا أعطيناك الكوثر لأنه مورود في الموقف مرتحل عنه قريب إلى منازل العز في الجنة فعبر فيه بالإعطاء لأنه يترك عن قرب وينتقل إلى ما هوأعظم منه وكذا يعطيك ربك فترضى لما فيه من تكرير الإعطاء والزيادة إلى أن يرضى كل الرضا وهومفسر أيضًا بالشفاعة وهي نظير الكوثر في الانتقال بعد قضاء الحاجة منه وكذا أعطى كل شيء خلقه لتكرر حدوث ذلك باعتبار الموجودات حتى يعطوا الجزية لأنها موقوفة على قبول منا وإنما يعطونها عن كره.
فائدة قال الراغب: خص دفع الصدقة في القرآن بالإيتاء نحو أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقام الصلاة وآتى الزكاة قال: وكل موضع ذكر في وصف الكتاب أتينا فهوأبلغ من كل موضع ذكر فيه أتوا لأن أتوا قد يقال إذا أوتي من لم يكن منه قبول وأتيناهم يقال فيمن كان منه قبول.) انتهى قوله.
وقال الزبيدي في تاج العروس (فصل الهمزة مع الواو والياء) رداً على هذا القول ما نصه: (قلت وفي سياقه هذا عند التأمل نظر والقاعدة التي ذكرها في المطاوعة لا يكاد ينسحب حكمها على كل الافعال بل الذي يظهر خلاف ما قاله فان الاعطاء أقوى من الايتاء ولذا خص في دفع الصدقات الايتاء ليكون ذلك بسهولة من غير تطلع الى ما يدفعه وتأمل سائر ما ورد في القرآن تجد معنى ذلك فيه، والكوثر لما كان عظيما شأنه غير داخل في حيطة قدرة بشرية استعمل الاعطاء فيه وكلام الائمة وسياقهم في الايتاء لا يخالف ما ذكرنا فتأمل والله أعلم.) انتهى كلامه.
إلا وكأنه ناقَضَ نفسه في موضع آخر (مادة عطو) حيث قال: (والإعْطاءُ: المُناوَلَةُ. قالَ شيْخُنا: هو على جهَةِ التَّقْرِيبِ، وفسَّرَ الإعْطاءَ بالإيتاءِ كما مَرَّ، وفَرَّق جماعَةٌ بَيْنَهما بأنَّ الإيتاءَ قد يكونُ واجِباً وقد يكونُ تَفَضّلاً بخِلافِ الإعْطاءِ، فإنَّه لا يكونُ إلاَّ بمحْضِ التَّفَضّلِ؛ كما قالَهُ الفَخْر الرَّازِي؛ ولا يَعْرفُ أَكْثَر أَئِمَّةِ اللُّغَةِ هذه التَّفْرِقَة.) انتهى قوله.
فهذا ما أحببت أن أشارك به لندرة رفع هذه المسألة (أي الفرق بين الإيتاء والإعطاء) حسب علمي، وهو كما ذُكِر (لا يعرف أكثر أئمة اللغة هذه التفرقة)، والله أعلم.
ومن عنده فائده في المسألة فليفدنا به ليعم النفع.
ـ[عاطف إبراهيم]ــــــــ[22 - 02 - 10, 10:48 ص]ـ
لم يظهر لي وجه قوة التعبير بالإيتاء عن الإعطاء
خاصة في المثالين {إنا أعطيناك الكوثر} و {ولسوف يعطيك ربك فترضى} وذلك أن الإعطاء ليس دائما كما ورد بالنص أعلاه (((لأنه يترك عن قرب وينتقل إلى ما هوأعظم منه)))
فماذا نقول في قوله تعالى {عطاءً غير مجذوذ} أو قوله تعالى {جزاءً من ربك عطاءً حساباً} وهذا تعبير عن نعيم أهل الجنة وهو نعيم مقيم لا أعظم ولا أكبر ولا أكثر
لكن على العموم مثل هذه الفروق بين المفردات في المعنى الواحد كما يقولون (تُشَمُّ ولا تُفْرَكُ)
بوركتم
ـ[بو عبد الرحمن]ــــــــ[23 - 02 - 10, 01:16 م]ـ
بارك الله فينا وفيكم
ولعل جواب سؤالك (فماذا نقول في قوله تعالى {عطاءً غير مجذوذ} أو قوله تعالى {جزاءً من ربك عطاءً حساباً} وهذا تعبير عن نعيم أهل الجنة وهو نعيم مقيم لا أعظم ولا أكبر ولا أكثر)
هو حيث قال: (وكذا يعطيك ربك فترضى لما فيه من تكرير الإعطاء والزيادة إلى أن يرضى كل الرضا ... وكذا أعطى كل شيء خلقه لتكرر حدوث ذلك باعتبار الموجودات)
فهو على هذا التفسير الذي نحى إليه السيوطي وغيره إلى أن النعيم في الجنة في عطاء وازدياد حتى يرضى كل الرضا و كذلك لتكرر حدوثه، أما الإيتاء فلا يتكرر، فمثلاً قول الله عز وجل: {يؤتي الحكمة من يشاء} فمتى أوتي العبد الحكمة من الله كانت ملازمة له وبالقدر الذي أوتي، وهي لا تزيد، كمن آتى زكاة ماله فهي بقدر لا يزيد عنه، وأما إن زاد على ذلك فلا يقال من مال الزكاة وإنما يقال أنه أعطى من الصدقة.
هذا ما يظهر لي والله أعلم.
¥