تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مِنْ كَرم البَرامِكَة!

ـ[مصعب الجهني]ــــــــ[24 - 02 - 10, 09:29 م]ـ

مِنْ كَرم البَرامِكَة!

قال خادم أمير المؤمنين المأمون:

طلبني أمير المؤمنين ليلة، وقد مضى من الليل ثلثه فقال لي: خذ معك فلاناً وفلاناً وسماهما لي؛ أحدهما علي بن محمد، والآخر دينار الخادم، واذهب مسرعاً لما أقوله لك، فإنه قد بلغني أن شيخاً يحضر ليلاً إلى دور البرامكة، وينشد شعراً ويذكرهم ذكراً كثيراً ويندبهم ويبكي عليهم، ثم ينصرف، فامض الآن أنت وعلي ودينار حتى تروا هذه الخرابات، فاستتروا خلف بعض الجدران، فإذا رأيتم الشيخ قد جاء وبكى وندب وأنشد شيئاً، فائتوني به. قال: فأخذتهما ومضينا حتى أتينا الخرابات، وإذا نحن بغلام قد أتى ومعه بساط وكرسي حديد، وإذا شيخ وسيم له جمال وعليه مهابة ووقار قد أقبل، فجلس على الكرسي وجعل يبكي وينتحب ويقول:

ولما رأيت السيف جندل جعفراً ..... ونادى مناد للخليفة في يحيى

بكيت على الدنيا وزاد تأسفي ..... عليهم وقلت الأن لا تنفع الدنيا

مع أبيات أطالها ورددها، فلما فرغ قبضنا عليه، وقلنا له: أجب أمير المؤمنين، ففزع فزعاً شديداً، وقال: دعوني حتى أوصي وصية، فإني لا أوقن بعدها بحياة. ثم تقدم إلى بعض الدكاكين، فاستفتح، وأخذ ورقة، وكتب فيها وصية ودفعها إلى غلامه، ثم سرنا به، فلما مثل بين يدي أمير المؤمنين زجره، وقال له: من أنت، وبماذا استوجبت البرامكة منك ما تفعله في خرائب دورهم وما تقوله فيها. قال الخادم: ونحن وقوف نسمع، فقال: يا أمير المؤمنين إن للبرامكة عندي أيادي خطيرة، أفتأذن لي أن أحدثك حديثي معهم. قال: قل.

قال: يا أمير المؤمنين؛ أنا المنذر بن المغيرة من أولاد الملوك، وقد زالت عني نعمتي كما تزول عن الرجال، فلما ركبني الدين، واحتجت إلى بيع مسقط رأسي ورؤوس أهلي، أشاروا علي بالخروج إلى البرامكة، فخرجت من دمشق ومعي نيف وثلاثون امرأة وصبياً وصبية، وليس معنا ما يباع ولا ما يوهب حتى دخلنا بغداد ونزلنا في بعض المساجد، فدعوت بثويبات لي كنت قد أعددتها لأستمنح بها الناس، فلبستها وخرجت وتركتهم جياعاً لا شيء عندهم، ودخلت شوارع بغداد أسأل عن دور البرامكة، فإذا أنا بمسجد مزخرف وفيه مائة شيخ بأحسن زي وزينة وعلى الباب خادمان، فطمعت في القوم وولجت المسجد وجلست بين أيديهم وأنا أقدم وأؤخر والعرق بسيل مني لأنها لم تكن صناعتي، وإذا بخادم قد أقبل فدعا القوم، فقاموا وأنا معهم، فدخلوا دار يحيى بن خالد، ودخلت معهم، وإذا بيحيى جالس على دكة له في وسط بستان، فسلمنا، وهو يعدنا مائة وواحد وبين يديه عشرة من ولده، وإذا غلام أمرد عذاراه خداه قد أقبل من بعض المقاصير بين يديه مائة خادم ممنطقون في وسط كل خادم منطقة من ذهب يقرب وزنها من ألف مثقال، ومع كل خادم مجمرة من ذهب في كل مجمرة قطعة من عود كهيئة الفهر، قد قرن بها مثلها من العنبر السلطاني، فوضعوه بين يدي الغلام إلى جنب يحيى، ثم قال يحيى للقاضي: تكلم وزوج بنتي عائشة من ابن عمي هذا. فخطب القاضي، وزوجه، وشهد أولئك الجماعة، وأقبلوا علينا بالنثار ببنادق المسك والعنبر، فالتقطت، والله يا أمير المؤمنين ملء كمي، ونظرت، فإذا نحن في المكان ما بين يحيى والمشايخ وولده والغلام مائة واثنا عشر رجلاً،

فخرج إلينا مائة وائنا عشر خادم مع كل خادم صينية من فضة عليها ألف دينار، فوضعوا بين يدي كل رجل منا صينية، فرأيت القاضي والمشايخ يصبون الدنانير في أكامهم ويجعلون الصواني تحت آباطهم، ويقوم الأول فالأول، حتى بقيت وحدي بين يدي يحيى لا أجسر على أخذ الصينية، فغمزني الخادم، فجسرت وأخذتها، وجعلت الذهب في كمي، وأخذت الصينية في يدي وقمت، وجعلت ألتفت إلى ورائي مخافة أن أمنع من الذهاب بها، فبينما أنا كذلك في صحن الدار ويحيى يلحظني إذ قال للخادم: ائتني بذلك الرجل. فرددت إليه، فأمر بصب الدنانير والصينية وما كان في كمي، ثم أمرني بالجلوس، فجلست فقال لي: ممن الرجل؟ فقصصت عليه قصتي، فقال للخادم: ائتني بولدي موسى، فأتى به، فقال له: يا بني هذا رجل غريب، فخذه إليك واحفظه بنفسك وبنعمتك. فقبضى موسى على يدي وأدخلني إلى دار من دوره، فأكرمني غاية الإكرام، وأقمت عنده يومي وليلتي في ألذ عيش، وأتم سرور، فلما أصبح دعا بأخيه العباس وقال: إن الوزير قد أمرني بالعطف على هذا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير