تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لأن معنى الآيات تلك ليس فيها ما يبكي ولو كان القارئ أحسن الناس صوتاً

والخلاصة:

الصوت الحسن يعين على الخشوع والبكاء في الآيات ذات المعاني الجليلة

وهذا مشترك بين عامة الناس ولو كانوا عواماً

فهم يفهمون - على الأقل غالباً - ما يسمعونه من آيات الوعيد

وأما البكاؤون: فكلهم لا غالبهم يفهمون

ـ[أبو مسْلم العقّاد]ــــــــ[26 - 01 - 09, 10:51 ص]ـ

ـــــــــــــــــــــــــ

••جَاءَ فِي كِتَابِ "دُمُوع الْقُرَّاءِ" لِمُؤَلِّفِهِ مُحَمَّد شُومَان الرَّمْلِيّ، نَاقِلاً عَنْهُ الشَّيْخُ مُحَمَّد الْمُقَدَّم فِي رِسَالَتِهِ الْمَوْسُمَةِ بِـ "عُودُوا إِلَى خَيْرِ الْهَدِيِ"، بِتَصَرُّفٍ ...

• الْبُكَاءُ عِنْدَ تِلاَوَةِ الْقُرْءَانِ وَسَمَاعِهِ لَيْسَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ، وَلاَ هُوَ الْمُرَادُ فِي الْأَصْلِ، إِنَّمَا الْمَقْصُودُ حُضُورُ الْقَلْبِ وَتَدَبُّرُهُ لِمَا يَتْلُو وَيَسْمَعُ، فَيُحْدِثُ لَهُ ذَلِكَ إِيمَانًا وَيَقِينًا، وَرَغْبَةً وَرَهْبَةً، وَمَحَبَّةً وَشَوْقًا، تُوجِبُ لَهُ هَذِهِ الْأُمُورُ خُضُوعًا وَخُشُوعًا، وَذُلاًّ وَانْكِسَارًا، يُصَاحِبُ ذَلِكَ رِقَّةٌ وَبُكَاءٌ.

فَهَذَا الْبُكَاءُ يُمْدَحُ وَيُثْنَى عَلَى صَاحِبِهِ، لاَ الْبُكَاءُ الْمُجَرَّدُ عَنِ السَّبَبِ الَّذِي ذَكَرْتُ، الْعَارِي عَنِ الْخُشُوعِ الَّذِي وَصَفْتُ، وَلاَ الْبُكَاءُ الْمُتَكَلَّفُ أُوِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ وَجْهُ الْخَلْقِ.

وَلَقَدْ رَأَيْتُ كَثِيرًا مِنَ الْقُرَّاءِ خَاصَّةً مِنْ أَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ يَتَصَنَّعُونَ الْبُكَاءَ، وَيَتَكَلَّفُونَهُ إِلَى الْغَايَةِ، فَتَجِدُ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ يَسْتَجْلِبُ الْبُكَاءَ وَيَسْتَخْرِجُهُ مِنْ رَأْسِهِ قَسْرًا، ضِدَّ مَا كَانَ علَيْهِ السَّلَفُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يَكْظِمُونَهُ، وَيَرُدُّونَهُ مَا اسْتَطَاعُوا.

وَيَنْبَغِي لِلْقَارِئِ إِذَا كَانَ مَعَ النَّاسِ أَنْ يُخْفِيَ بُكَاءَهُ مَا اسْتَطَاعَ، وَإِذَا كَانَ وَحْدَهُ فَلْيَبْكِ مَا شَاءَ، لَكِنْ لاَ يُحَدِّثُ بِهِ بَعْدُ.

وَلَقَدْ رَأَيْتُ مِنَ الْأَئِمَّةِ مَنْ يَتَجَهَّزُ لِلْبُكَاءِ قَبْلَ الصَّلاَةِ!، وَرَأَيْتُ مَنْ يُقَدِّمُ الْإِمَامَ إِلَى الصَّلاَةِ، وَيَقُولُ لَهُ: "اِبْكِ يَا شَيْخُ! ".

وَرَأَيْتُ مَنْ يَبْكِي أَثْنَاءَ الْفَاتِحَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُوَلَى! بَلْ إِنَّ بَعْضَهُمْ لَتَخْرُجُ مِنْهُ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ مَخْنُوقَةً مِنَ الْبُكَاءِ!.

مَا هَكَذَا كَانَ السَّلَفُ! كَانُوا يَبْكُونَ فِي مَوَاضِعِ الْبُكَاءِ، وَيَبْكُونَ غَلَبَةً لاَ تَصَنُّعًا، وَيَبْكُونَ لِمَا تُحْدِثُهُ الْآَيَاتُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْخُشُوعِ وَالرِّقَّةِ، لاَيَبْكُونَ رِيَاءً وَسُمْعَةً.

وَلَقَدْ رَأَيْتُ مَنْ لاَ تَكَادُ تُفْهَمُ قِرَاءَتُهُ لِكَثْرَةِ بُكَائِهِ.

وَاللَّهِ لَوْ كَانَ هَذَا غَلَبَةً، لَعَذَرْنَاهُ إِذَا أَحْسَنَ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ، لَكِنْ هُوَ التَّكَلُّفُ!.

إِنَّهُ لَيَبْكِي إِذَا قَرَأَ آَيَاتِ الْوَعِيدِ، وَيَبْكِي إِذَا قَرَأَ آَيَاتِ الرَّجَاءِ، وَيَبْكِي إَذَا قَرَأَ آَيَاتِ الطَّلاَقِ، وَيَبْكِي إِذَا قَرَأَ آَيَاتِ الْمِيرَاثِ! (*).

إِنَّ هَذَا يُذَكِّرُنِي بِحِكَايَةٍ هِيَ كَالطُّرْفَةِ، رَأَيْتُهَا فِي "أَخْبَار الْحَمْقَى" لِابْنِ الْجَوْزِيِّ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: [عَنْ أَبِي عُثْمَانَ الْجَاحِظِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بِنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: كَانَ لِي جَارٌ مِنَ أَهْلِ فَارِسٍ، وَكَانَ طَوَالَ اللَّيْلِ يَبْكِي، فَأَنْبَهَنِي ذَاتَ لَيْلَةٍ بُكَاؤُهُ وَنَحِيبُهُ، وَهُوَ يَشْهَقُ، وَيَضْرِبُ عَلَى رَأْسِهِ وَصَدْرِهِ، وَيُرَدِّدُ آَيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمَّا رَأَيْتُ مَا نَزَلَ بِهِ؛ قُلْتُ: لَأَسْمَعَنَّ هَذِهِ الْآَيَةَ الَّتِي قَتَلَتْ هَذَا، وَأَذْهَبَتْ نَوْمِي، فَتَسَمَّعْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا الْآَيَةُ: ((وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذَىً))].اهـ.

وَصَلَّيْتُ مَرَّةً خَلْفَ بَعْضِهِمْ فَنَاحَ طَوَالَ الصَّلاَةِ، وَبَعْضُ مَنْ خَلْفَهُ يَبْكُونَ، وَيَتَكَلَّمُونَ بِالدُّعَاءِ وَالنِّيَاحَةِ وَالتَّأَوُّهَاتِ فِي الصَّلاَةِ وَاَثْنَاءَ الْقِرَاءَةِ! وَيُخْرِجُونَ الْمَنَادِيلَ مِنْ جُيُوبِهِمْ، وَيَمْسَحُونَ وُجُوهَهُمْ، وَيَتَحَرَّكُونَ هَكَذَا وَهَكَذَا. اهـ.

ـــــــــــــــــــــــــ

(*) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُصْطَفَى بْنِ الْمُقَدَّمِ - أَيَّدَهُ اللَّهُ -، فِي حَاشِيَةِ رِسَالَتِهِ مُعَلِّقًا:

هَذَا كَلاَمٌ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهُ لاَ عَجَبَ إِطْلاَقًا فِي أَنْ يَبْكِيَ الْقَارِئُ مِنْ كُلِّ آَيِ الْقُرْءَانِ الْكَرِيمِ خُشُوعًا وَتَعْظِيمًا لِأَنَّهُ كَلاَمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا النَّكِيرُ عَلَى الْمُرَائِي بِبُكَائِهِ أَيًّا كَانَ مَوْضُوعُ الْآَيَاتِ الْكَرِيمَةِ، قَالَ تَعَالَى: ((لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْءَانَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ)).

ـــــــــــــــــــــــــ

وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى الضَّحُوكِ الْقَتَّالِ، نَبِيِّ الرَّحْمَةِ مَاحِي الْكُفْرِ وَالضَّلاَلِ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير