[في المسألة قولان بقلم بكري شيخ امين]
ـ[محمد العقاد]ــــــــ[12 - 04 - 10, 09:45 ص]ـ
في المسألة قولان
بقلم
أ. د. بكري شيخ أمين
عضو اتحاد الكتاب العرب
عضو المجلس العالمي للغة العربية
هذا مثل مشهور بين العلماء و الأدباء وكثير من الناس, يقولونه حين يختلفون في الرأي , وحين يتعارضون في الاجتهاد, وحسماً للجدال بينهم يقولون:
" في المسألة قولان".
ولعلي أهدف من مقالي هذا أن يكون نصب عين كل أستاذ في جامعة، أومعلم في مدرسة، أو مجادل في موضوع أدبي، أو مفت في قضية .. وحينئذ ينتهي الخلاف , ويفرح كل مجادل , ويسود الود , وتصفو القلوب , وتتصافى النفوس.
أصل هذا المثال - كما يذكرون – يعود إلى جامعة الأزهر الشريف بالقاهرة:
كان في الأزهر عالم كبير , يحبه طلبته , ويعجبون به كل الإعجاب , يتكلم لهم في التفسير، والفقه، والأصول، والحديث، وفي مختلف الفنون والعلوم، فيبهرهم، ويملأ قلوبهم حباً وتعلقاً به وإعجاباً. فكانوا يسألونه: من أين أتيت بهذا العلم الغزير, فيقول لهم:أخذته من والدي ـ حفظه الله ـ وهكذا كان السؤال يتكرر, وكذلك الجواب 000
وفي يوم من الأيام كتب الوالد لولده رسالة: لقد اشتقت إليك يا ولدي, وأنوي أن أزورك في القاهرة , وكان الولد يعلم أن أباه رجل أمي , جاهل , ليس له في العلم شيء أبداً .. وخشي أن يفتضح أمره بين طلابه، كما عرف أن طلابه سوف يزورونه في المنزل ويسلمون على أبيه. حينئذٍ قرر أن يعلِّمه يوم وصوله جملة
(في المسألة قولان)
وطلب منه أن يكررها كلما سأله سائل، ومهما كان السؤال.
وجاء الوالد القاهرة، وسمع الأولاد أن والد شيخهم قد جاء .. فذهبوا يسلمون عليه .. و بدأوا يسألونه، ويمطرونه بالأسئلة .. فكان يردد ما علمه ابنه
(في المسألة قولان) كلما سأله أحدهم، فشك بعض الخبثاء في علم الوالد، فسأله: (أفي الله شك؟) فقال الوالد: في مسألة قولان 0 وقهقه الطلاب من الجواب .. فقام الولد العالم وقال: نعم! في المسألة قولان: فأنت يمكنك أن تعرب (في المسألة) جاراً ومجروراً في محل رفع خبر مقدم .. كما يمكنك أن تقول: الجار والمجرور نفسهما خبر مقدم 00أليس في المسألة ـ كما قال الوالد الكريم - قولان؟
أذكر– فيما اذكر- أني في منتصف القرن الميلادي السابق كنت في السنة الأخيرة طالباً في كلية الآداب بالجامعة السورية بدمشق .. وقتها استقدمت ورئاسة الجامعة أكبر أستاذ في فرنسا، ومن كبار المستشرقين، وعميد الأدب العربي في (الكوليج دي فرانس College de France) هو ريجي بلاشير Regis Blachaire وهو مؤلف لكتاب (تاريخ الأدب العربي) و مترجم معاني القرآن إلى اللغة الفرنسية.
طلبت رئاسة جامعتنا منه أن يشرف على عدد من رسائل الطلاب الجامعية؛ ليتعلموا على يديه أسلوب التأليف و الكتابة و التفكير .. ومن حسن الحظ كنت أحد المرشحين، لأكتب رسالتي الجامعية تحت إشرافه.
والطريف الذي ما زلت أذكره أن تفكيري في عنوان الرسالة كان تفكيراً صبيانياً00قلت في نفسي:إن أستاذنا الفرنسي متخصص في تاريخ الأدب العربي , وفي ترجمة معاني القران الكريم ليس إلا 00إذن فَلْْيكنْ موضوعي بعيداً كل البعد عن تخصصاته، وحينئذٍ أكتب ما أشاء على راحتي.
وقررت أن يكون موضوعي عن كتاب (طوْقُ الحَمامة في الأُلْفَة والأُلاف) لابن حزم الأندلسي.
وجاء دوري في الدخول عليه؛ لآخذ موافقته على الموضوع، وذكرت له أني أود دراسة شخصية ابن حزم من خلال طوق الحمامة. وأن محاور دراستي ثلاثة: المحور الأول يدور حول نشأته , والثاني حول غزله، والثالث حول تحليل شخصيته من خلال كتابه هذا.
قال بلاشير:
لقد قذفتني بعيداً عن تخصصاتي وميولي00ولكنني لا أعترض على موضوعك، ما دام هو الذي يدور في خلدك , وهو الذي تفضل الكتابة فيه0
ثم قال: هل قرأت من قبل شيئاً عن ابن حزم؟ وما هي مصادرك التي سوف تعتمد عليها؟
أجبت بكل ثقة واعتداد: عندي كتابان مهمان عن ابن حزم، أولهما: ألفه أستاذنا سعيد الأفغاني، والثاني: كتبه العلامة أبو زهرة المصري 0
قال بلاشير: حسن جداً هذا , و لكن هل عندك غيرهما؟
قلت: لا .. أو لا يكفياني؟
¥